الكوني قدم لي الصحراء التي لا أعرفها حقيقة، واكتشفت أن وراء ذلك القحط الذي يبدو للعيون، حيوات كاملة تتشكل وتنمو، وأيضا تستقر في بقعة ما، برغم الرحيل الظاهري. توجد ميثولوجيا فريدة، سحرة ومتنبئون، وقراء بخت، وزعماء وتوابع وذلك المجتمع الذي تحكمه قوة التحمل، ولا يوجد فيه سكن لضعيف أو مستهلك، ولأنني لم أكن أتوقع أن أرى حبا جارفا أو عواطف تندلق عبر تلك الرمال، فقد فوجئت بوجود نساء رقيقات، يعشقن ويتغزلن ويترنمن شعرا، ورجال لهم ملامح أسطورية تتمدد في خيالات النساء. الماء له طعم آخر، الخبز المملح له طعم أسطوري، ومتابعة السحرة وهم يقرأون البخت ويستنفرون طاقتهم ليتوقعوا المطر والرياح، وفساد الأمزجة، تتبعها الكثير من الهواجس والأحلام، وحين يمرض أحد أو يموت لا تجد دعوعا تبكيه أكثر من اللازم، فقط نظرات إلى البطون المتكورة التي ربما تأتي بحياة أخرى تعوض الفقد، لتستمر رحلة اللامكان .. إلى الأبد.
ذاكرة الحكّائين
نبذة عن الكتاب
حين طبقت الكثير مما ذكره كتاب القراءة على سلوكي الشخصي تجاه الكتب، وجدت أشياء ولم أجد أشياء أخرى، فأنا من النوع الذي يقرأ أكثر من خمس كتب في وقت واحد، وتكون جميعها مفتوحة عند صفحة القراءة، أعود إليها كلها يوميًّا محاولًا إنهائها، ومن الغريب حقًّا إن الأفكار بداخل كل كتاب لم تكن تتداخل، وأستطيع تمييزها وتذكرها. هذا السلوك بلا شك موجود عند كثير من القراء، ولعله يعود إلى صعوبة إيجاد وقت للقراءة الهادئة المتزنة، أو لعلها اللهفة لمعرفة ما بداخل الكتب كلها في نفس الوقت. إذًا القراءة طقوس، والقراءة تاريخ طويل من زمن أرسطو طاليس، ومن زمن أن كان العثور على كتاب، أشبه بالمستحيل، إلى الزمن الذي أصبحت فيه الكتب تزاحم السكان في بيوتهم.. أعود وأكرر دائمًا، بأننا لم ننته من زمن القراءة بعد، ولن ننتهي منه بكل تأكيد، لأن التكنولوجيا الحديثة، ما كان لها أن تخرج إلى الوجود، وتطبق لولا أن هناك من اكتسب المعرفة من قراءة الكتب، وطورها بعد ذلك.. نعم الخيال له خطوط حمراء، ولن يقتنع أبدا شخص يستمع لعامل يوميات فقير، يسكن حيا فقيرا، في دولة فقيرة، يروي بأنه حل ذات يوم ضيفا على قصر باكنغهام، وتعشى مع ملكة بريطانيا. أو عيّنه كورت فالدهايم، الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة، مندوبا له، لحل النزاعات في الشرق الأوسط. وقد كان لدي قريب، يعمل سائقا في خطوط المواصلات العامة، ولم يخرج من البلاد إلا في آخر أيامه، بعد أن مرض وسافر يبحث عن علاج في الخارج. لكنه كان يحكي وبجدية كبيرة، وملامح متهيجة، وفي أي مكان يجلس فيه، إنه كان الصديق الأقرب للممثل يوسف وهبي، ولطالما سهرا معا في مقاهي حي الحسين والسيدة زينب، وعاكسا فتيات رشيقات، وسقطت فتاة إنكليزية، صادفاها ذات يوم، وقد قدمت سائحة لمصر، في حبه، تاركة الممثل الكبير لحسراته، ثم لتبدأ الخصومة، التي هي أثناء الحكي، مقدمة لأسطورة أخرى سيرويها الحكاء. ................................. ذاكرة الحكائين كتاب الروائي السوداني "أمير تاج السر" يعرض فيه أسرار الكتابة والحكاية بأسلوبه الشيق الممتع .التصنيف
عن الطبعة
- نشر سنة 2022
- 188 صفحة
- [ردمك 13] 9789775221278
- منشورات الربيع
تحميل وقراءة الكتاب على تطبيق أبجد
أبلغوني عند توفرهاقتباسات من كتاب ذاكرة الحكّائين
مشاركة من إبراهيم عادل
كل الاقتباساتمراجعات
كن أول من يراجع الكتاب
-
إبراهيم عادل
هذه الكتابة الممتعة، وذلك الدوران الجميل بين شجون الكتابة وأسرارها وأصول الحكايات وعالمها، بالإضافة إلى "تعليقات" ثرية وفارقة حول أحداث ثقافية هامة، ربما لم نسمع عنها في بلادنا أصلاً
كل ذلك يصوغه أمير تاج السر ـ ذلك الروائي المحترف ـ هنا باقتدار
.
هذا الكتاب الذي بإمكانك أن تلتهمه دفعة واحدة، بمقالاته المختلفة التي لا يجمع بينها إلا شأن الكتابة واسم كاتبها، ولكنك ما إن تنتهي منه حتى تشعر بالرغبة في المزيد، وعلى الرغم من متابعتي لعددٍ من مقالات أمير تاج السر التي يكتبها بشكل دوري في صحفٍ مختلفة، إلا أني استمتعت كثيرًا بتجميع هذه المقالات ربما لأنها كلها بلا استثناء تنكأ جراحًا عديدة خاصة بالكتابة ذلك الهم، وتدور كلها حول قراءات وأحداث ثقافية ومعرفية يصبغها أمير تاج السر بأسلوبه المميز، هذا بالطبع بالإضافة إلى ما يمكن اعتباره ترشيحات للقراءة في الروايات التي يتحدث عنها، لاسيما ما قرأته منها وما شعرت بدقة وصفه فيها، مثل بدرو بارامو، وحياة باي
كما ذكَرني هذا الكتاب بأهمية أن أقرأ "ليلة لشبونة" مثلاً، لاسيما أن الرواية تكررت أكثر من مرة في الكتاب، كما أعادني إلى عالم إبراهيم الكوني مرة أخرى، وذكرني برواية "سلطانات الرمال" لـ لينا هوايان الحسن، وأثنى على رواية "حين تسقط الأمطار" لأمجد ناصر و"بجعات برية" وكذلك رواية "الظلال المحترقة" لكاميلا شمسي، التي هي في القائمة عندي من فترة،
أضاء الكتاب إضاءات هامة فيما يتعلق بعلاقة العرب بالقراءة والكتاب، لاسيما في مقاليه عن مباردة "إقرأ" السعودية التي لم أكن أعرف عنها شيئًا، والتي تمنيت أن يوجد مثيلاً لها لدينا في "مصر" لاسيما مع انتشار القرّاء من الشباب بمستويات كبيرة نلاحظها هذه الأيام، وكذلك حديثه عن معرض الشارقة للكتاب :)
بعيدًا عن كل هذا يبدو أمير تاج السر وفيًا لأصحاب الحكايات اللأصليين، وهم الذين اختار أن يجعلهم عنوانًا لكتابه "ذاكرة الحكائين" أصحاب هذه الحرفة الشفوية القديمة التي ربما تكون قد اندثرت في عالم اليوم، ولكنه لا يزال يعدهم أصحاب فضل !
.
الجدير بالذكر أن هذا الكتاب ليس الأول لأمير تاج السر في هذا المضمار، بل قد سبقه كتابه تقاعست عن قراءته، ويبدو أنه قد آن الآوان لالتهامه هو الآخر فورًا، ألا وهو "ضغط الكتابة وسكرها" الصادر في العام الماضي :)
.
شكرًا دكتور أمير، وبكرت وبورك قلمك،
وفي انتظار رواياتك الممتعة أيضًا
.