هذه الكتابة الممتعة، وذلك الدوران الجميل بين شجون الكتابة وأسرارها وأصول الحكايات وعالمها، بالإضافة إلى "تعليقات" ثرية وفارقة حول أحداث ثقافية هامة، ربما لم نسمع عنها في بلادنا أصلاً
كل ذلك يصوغه أمير تاج السر ـ ذلك الروائي المحترف ـ هنا باقتدار
.
هذا الكتاب الذي بإمكانك أن تلتهمه دفعة واحدة، بمقالاته المختلفة التي لا يجمع بينها إلا شأن الكتابة واسم كاتبها، ولكنك ما إن تنتهي منه حتى تشعر بالرغبة في المزيد، وعلى الرغم من متابعتي لعددٍ من مقالات أمير تاج السر التي يكتبها بشكل دوري في صحفٍ مختلفة، إلا أني استمتعت كثيرًا بتجميع هذه المقالات ربما لأنها كلها بلا استثناء تنكأ جراحًا عديدة خاصة بالكتابة ذلك الهم، وتدور كلها حول قراءات وأحداث ثقافية ومعرفية يصبغها أمير تاج السر بأسلوبه المميز، هذا بالطبع بالإضافة إلى ما يمكن اعتباره ترشيحات للقراءة في الروايات التي يتحدث عنها، لاسيما ما قرأته منها وما شعرت بدقة وصفه فيها، مثل بدرو بارامو، وحياة باي
كما ذكَرني هذا الكتاب بأهمية أن أقرأ "ليلة لشبونة" مثلاً، لاسيما أن الرواية تكررت أكثر من مرة في الكتاب، كما أعادني إلى عالم إبراهيم الكوني مرة أخرى، وذكرني برواية "سلطانات الرمال" لـ لينا هوايان الحسن، وأثنى على رواية "حين تسقط الأمطار" لأمجد ناصر و"بجعات برية" وكذلك رواية "الظلال المحترقة" لكاميلا شمسي، التي هي في القائمة عندي من فترة،
أضاء الكتاب إضاءات هامة فيما يتعلق بعلاقة العرب بالقراءة والكتاب، لاسيما في مقاليه عن مباردة "إقرأ" السعودية التي لم أكن أعرف عنها شيئًا، والتي تمنيت أن يوجد مثيلاً لها لدينا في "مصر" لاسيما مع انتشار القرّاء من الشباب بمستويات كبيرة نلاحظها هذه الأيام، وكذلك حديثه عن معرض الشارقة للكتاب :)
بعيدًا عن كل هذا يبدو أمير تاج السر وفيًا لأصحاب الحكايات اللأصليين، وهم الذين اختار أن يجعلهم عنوانًا لكتابه "ذاكرة الحكائين" أصحاب هذه الحرفة الشفوية القديمة التي ربما تكون قد اندثرت في عالم اليوم، ولكنه لا يزال يعدهم أصحاب فضل !
.
الجدير بالذكر أن هذا الكتاب ليس الأول لأمير تاج السر في هذا المضمار، بل قد سبقه كتابه تقاعست عن قراءته، ويبدو أنه قد آن الآوان لالتهامه هو الآخر فورًا، ألا وهو "ضغط الكتابة وسكرها" الصادر في العام الماضي :)
.
شكرًا دكتور أمير، وبكرت وبورك قلمك،
وفي انتظار رواياتك الممتعة أيضًا
.