أم..
داخل بيتِ قديم عجوزٌ تشعل أعواد البخور، كل ليلةٍ تصِّر على فعل هذا رغم صدرها الذي لا يتحمَّل، توزع خفوت بصرها فوق ملامح الأشياء القليلة التي تشاركها الوحدة والسكون، كأنها تبحث عن شيءٍ تنتظره وتخشى ألا تراه حين يأتي، بعد وقتٍ طويل، وحينما تقارب أعواد البخور على الانتهاء، تخرج صورة الطفل الذي كان يحجب رائحتها وتحتضنها، رغم بكائها تبتسم وتقول لنفسها إن الملائكة لديها بالتأكيد أعواد بخورٍ كثيرة .
مكان جيد لسلحفاة محنطة > اقتباسات من كتاب مكان جيد لسلحفاة محنطة
اقتباسات من كتاب مكان جيد لسلحفاة محنطة
اقتباسات ومقتطفات من كتاب مكان جيد لسلحفاة محنطة أضافها القرّاء على أبجد. استمتع بقراءتها أو أضف اقتباسك المفضّل من الكتاب.
مكان جيد لسلحفاة محنطة
اقتباسات
-
مشاركة من إبراهيم عادل
-
في البداية استغرب الناس جدًا من هذا الفعل الذي اعتبروه غير لائقٍ برجلِ عجوز أمضى حياته بينهم متحليًا برجاحة العقل والاتزان النفسي، لكن استغرابهم تضاعف كثيرًا حينما اكتشفوا عند قراءة القصة القصيرة أنه لم يتعمّد عدم الالتزام بقواعد النحو أو عدم وضع علامات ترقيم فحسب، بل إن الجمل نفسها كانت غير مفهومة، كانت قصته عبارة عن كلمات ليس بينها رابط واضح، ومتراصّة بجوار بعضها فحسب، حينما حاولوا أن يستفهموا منه عن معنى كتابته، ولماذا يوزعها عليهم بهذه الطريقة رفض تمامًا أن يعطيهم أي إجابة، وواصل التوزيع حتى انتهت جميع النسخ التي بحوزته، تحدثوا مع زوجته، واتصلوا بأبنائه فاكتشفوا أنهم لم يفهموا أيضًا ما كتب في هذه القصة، فضلاَ عن أنهم لم ينجحوا في الحصول على أي توضيحِ منه، قرر رجال القرية الاجتماع لمناقشة ما حدث، وتركوا المجال في البداية للمشهود لهم بالثقافة والمعروفين بقراءة الكتب الكثيرة كي يحاولوا تحليل القصة، فاختلفوا في تأويلها ولم يقفوا على نتائج محددة ...
مشاركة من إبراهيم عادل -
لن أتمكن أبدا من العيش في كوخ .. الكوخ الذي حاولت بناءه مرة بوسائد وأغطية السرير ، ومرة بقطع خشبية قديمة في بلكونة الأسرة ، ومرات لا حصر لها بمبررات متغيرة للثقة في الغيب داخل روحي .. الكوخ الذي لم يكتمل بناؤه أبدا ليس بسبب حروب الآخرين ضد عزلتك ، ولا شهوة الطرد التي تواجهك بها كل الأماكن بقدر رغبة مبهمة داخل ذاتك في التخلص منه لا تنجح الأسباب الملموسة التي يمكن العثور عليها في تفسيرها .. رغبة قد يبدو حقا أنها نتيجة هزائم مدركة وأحلام يمكن التفاوض مع الدنيا بشأنها ، لكنك ستشعر في نفس الوقت بأن هذه الرغبة متجذرة في مركز أكثر عمقا مما يمكن تصوره .. أن قوتها الحقيقية تكمن في كونها إشارة خبيثة ربما تعطيك انطباعا أوليا بأنها لا تستحق الانتباه ثم تستوعب تدريجيا أن هذه الإشارة ما هي إلا إلحاح يعلن عن بداهته الأزلية دون تأسيس على تمهيد منطقي .. إلحاح منفصل عن الهزائم والأحلام وينمو دون تدخل منك أو من غيرك حتى يصل تصاعده إلى نقطة يصبح من الحتمي فيها أن تكون في الخارج .. أن تجبر على إبقاء نفسك بعيدا عن أي كوخ ترغب بشدة في أن تسكنه .
مشاركة من Mamdouh Rizk -
ربما جربت الثقة العمياء في قوة التصاق العالم بك ، التي توفر لانفصاله الحتمي عنك مرونته اللائقة .. كان لدي أيضا اطمئنان منطقي لذاكرة جديدة سينسجها تعاقب الأيام لن تحتاج مع ضماناتها البديهية لمساعدة كبيرة من التاريخ .. يكمن التضليل في إشراك الأشياء المنسية تلقائيا في الألم لمدى مؤقت .. ألا يكون الأذي حصيلة حصرية للروح في معركتها مع الفقد بالتزامن مع اليقين الذي يزداد رسوخا في أعماقها بأنها لن تتمكن أبدا من أن تعيش مرة أخرى فترة من اللحظات المتصلة التي ترغب في تجميعها من الماضي.
مشاركة من Mamdouh Rizk -
هل لذلك علاقة بالسيارة التي انفجرت فجأة الآن أمام محل العصير ، وبسلك الكهرباء الذي ترك عامود الإنارة ليسقط فوق رأسي في نفس اللحظة .. جاءت امرأة منقبة ومعها طفل صغير .. كان من الواضح أنهما زوجة وابن صاحب المحل ، وكان من الواضح من نظرات عينيها وصوتها وتفاصيل جسمها من تحت العباءة السوداء أنه رجل محظوظ .. انتبهت في نهاية كوب العصير إلى أن عيني الطفل تشبه كثيرا عيني أمه .. حاولت تخيل بقية ملامحها المتوارية بالتمعن في وجه الطفل .. كان جميلا .. شعرت بالرغبة في تقبيل فمه بقوة ولكنني تركت الكوب الفارغ ومشيت مبتعدا .. هل فهمت الآن ماذا تعني محاولة استعادة الماضي ؟
مشاركة من Mamdouh Rizk -
يذكر ( روبرت جونسون ) أيضا في كتابه ، والذي أعيدت طباعته أكثر من مرة كما ترجم إلى عدة لغات ، ولاقى انتشارا واسعا في العالم أن ( ماريا ) ظلت رافضة تماما أي نوع من الاستغلال لموهبتها مهما كان الإغراء المادي حيث رفضت عروضً سينمائية لا حصر لها ، وكذلك دعايات وإعلانات تجارية حتى المقابلات الصحفية والتليفزيونية وضعت حدا لها حين بلغت الثانية عشر ، كما أنها امتنعت أيضا عن المشي بظهرها في الأماكن العامة أو في المناسبات التي تشهد حضور عدد كبير من الأشخاص أو يتاح فيها التصوير بأي شكل .. لكن ( روبرت ) يذكر أن ( ماريا ) وافقت على الظهور مرة واحدة فقط ، ودون أجر عام ( 1974 ) في أحد أفلام المخرج الإيطالي الشهير ( اليكساندرو سيموني ) وكان بعنوان ( Justice ) حيث اقتصر دورها على المشي الصامت بظهرها لثوان قليلة في مشهد النهاية الذي جمع بين النجمين الفرنسيين ( أندريه روبير ) و( إيزابيل برنار ) وهما عاريان وسط نافورة في ميدان عام ، ويتبادلان قذف أشلاء وعظام بشرية على بعضهما بفرح .. لكن المجلة تذكر أنه في عام ( 1975 ) أيضا سمحت ( ماريا ) لشركة ( Gut ) الألمانية باقتباس موهبتها في قصة فيلم كارتون من انتاجها وكان بعنوان ( Schönheit ) .. جسد الفيلم حياة الطفلة الصغيرة ( كارولين ) التي تعاني من الوحدة والاضطهاد الأسري والمجتمعي بسبب إصرارها المتواصل على تقمص شخصيات الحكايات الخيالية القديمة .. في أحد مشاهد الفيلم تتخيل الفتاة أنها تمشي بظهرها بينما عينيها مثبتتين بحزن على والديها وأخواتها وهم ينظرون إلى انسحابها من حياتهم بحسرة لتعبر وسط ضحكات وسخرية أهل المدينة حتى تصل في النهاية إلى عالم سحري يتيح لها أن تعيش في أمان داخل الأساطير التي تتمناها .
مشاركة من Mamdouh Rizk -
دائما كنت أفكر في أنه حتى الأحمق ، المغفل تماما كجوهرة نادرة بوسعه أن يمتلك لحظات من الصمت الغامض .. أن يراقب العالم بانتهاك خاص كأنه فريسته الخاضعة ، بشغف متحدٍ واثق في مهاراته الخبيثة على كسب كل المعارك حتى وإن خسرها .. يمكن لواحد مثلي أن يكون قبرا غير قابل لتوفير أي ثقة عن ما أُغلق عليه .. ألا يكون مفهوما أو مأمون التصرف ، ألا يتوقع ماذا يمكن أن ينتج عن جلوسه وحيدا بعينين متجهمتين وملامح مرهقة تتمعن في الفراغ بقلق ينطوي على تدبير ما .. كنت أفكر في أن الأحمق هو أكثر من تناسبه هذه الحالة باعتبارها ظاهريا سلوكا استثنائيا في حياته ، حقيقة مفاجئة لم يتعوّدها الآخرون عنه بل على العكس يستقر في يقينهم صورة مضادة لها بامتياز .. الأشخاص المعروفون بالدهاء وبالأساليب الملغزة والجريئة في إنجاح تجاربهم لا يمكنهم أن يخدعوا أو يصدموا أحدا إلا بممارسة تكشف عن الجانب الأحمق في شخصياتهم ، أما أنا فمع كل مرة أغلق فيها الباب على نفسي وأفكر في الماضي يتحول الإذلال إلى أقوى داعم لوجودي وتتحول كل خيباتي وإخفاقاتي الوفيرة إلى حصيلة من الانتصارات المبررة .. أشعر بنفسي كفارس كلاسيكي لديه ثأر مع الحياة يفوق ما لدى الناس جميعا ويمكنه أن يتحسس أثر شجاعته في الحروب غير المتكافئة ضد الغيب .. مع ذلك فالخوف أقوى من كل هذا .. أنا أحمق وخائف فقط .
مشاركة من Mamdouh Rizk -
بالقرب من هذه الحجرة .. كان هو جالسا في الشارع أسفل شرفة بيته القديم الذي لم يعد قادرا على رؤيته .. جاءه فجأة رجل عجوز منهك وضعيف البصر، وقال له أنه يبحث عن شخص كان يسكن في هذا الشارع ولا يعرف عنه شيئا منذ ثلاثين سنة .. كان كاذبا حينما ادعى للعجوز أنه يعرف من يبحث عنه .. أراد فقط أن يجلس العجوز بجواره ويتكلم معه .. أن يؤخر رحيله أطول وقت ممكن .
مشاركة من Mamdouh Rizk -
جاء في خبر وفاتها أيضا أنه في مذكراته المنشورة عام 1973 كتب الناشط الياباني والعضو السابق بـ ( المنظمة العالمية للسلام والتنمية البشرية ) التابعة للأمم المتحدة ( شينجي ميزونوما ) أن ( ماريا نكوبولوس ) اختارتها المنظمة لتكون سفيرا لها عام 1969 حينما كانت في العاشرة من عمرها ، وأنها سافرت في جولة حول العالم لنشر الرسائل الخيرية للمنظمة .. ذكر ( شينجي ) أنها في زيارتها لمصر التقت ( ماريا ) بالرئيس ( جمال عبد الناصر ) ، وبالمستشار ( حسن الهضيبي ) المرشد العام للإخوان المسلمين ، وبالبابا ( كيرلس السادس ) بطريرك الكنيسة القبطية الأرثوذكسية ، وأنها اصطحبتهم إلى طريق مصر اسكندرية الصحراوي في الرابعة فجرا وبسرية تامة ؛ ليجربوا معها المشي بظهورهم في العراء ، وأنهم كانوا سعداء جدا بهذه المحاولة رغم فشلهم فيها .. نفس الأمر ـ والحديث لا يزال لـ ( شينجي ) ـ كررته ( ماريا ) مع الرئيس الأمريكي ( نيكسون ) ، والسوفيتي ( بودجورني ) ، والفرنسي ( بومبيدو ) ، و( فيصل ) ملك السعودية ، وجميعهم أيضا فشلوا في المشي بظهورهم .
مشاركة من Mamdouh Rizk -
كان يمكنني بمنتهى البساطة إخبارها بأنني أرسلت الرسالة دون أن أرسلها متحصنا بأي تبرير منطقي يمكنه أن يفسر فيما بعد عدم وصولها لحبيبها .. لكنني بمنتهى الطاعة والإحساس بالواجب وبحرص تام على الالتزام الحرفي كتبت الرسالة فورا وأرسلتها .. كان الامتثال التلقائي لطلب القاصة العربية بمثابة توجيه شكر وتقدير للغيب الذي قرر حمايتي من الاستمرار في السعي إليها دون أن يحملني مسؤلية التراجع أو يشعل بداخلي جروح الحسرة والخزي الناجمة عن الهروب بتحريض من الخوف .. أنقذني من الشعور التقليدي بالعجز والفشل الذي كنت على يقين بأن آلامه المعتادة تتجهز لتعذيبي من جديد في جميع الأحوال سواء طال الوقت دون أن أصل لجسد القاصة العربية ـ كما حدث مع جميع من حاولت الوصول إلى أجسادهن ـ أو حينما تأتي لأول مرة اللحظة الوحشية التي سيواجه عري كل منا الآخر وينجح اضطرابي الخجول ببراعة فريدة في تدمير العالم .. كتبت الرسالة كأنني اتحسس بفرح جدران الكوخ الصغير الذي انكمش متواريا بداخله غير مصدق أنني لازلت محتفظا به بعد أن كنت على وشك خسارته .. كمن يخفي باعتزازخبيث مكسبا غير متعمد أخبرت القاصة العربية بحماس واثق أنني أرسلت الرسالة ولم أخبرها أنني سأشاهد الليلة فيلما لنجمة البورنو (Jaylene Rio ) لأنها تشبهها كثيرا ، وأنني سأكتم صوت الفيلم لأستمع إلى ( كونشرتو براندنبورغ ) لـ ( باخ ) أثناء الفرجة والاستمناء .. لم أخبرها أنني سأكون سعيدا جدا .
مشاركة من Mamdouh Rizk -
مرايا
إذا فتحت شرفتك في الصباح، ووجدت فوق أرضها ريشةً صغيرة. أرجوك لا تلقِ بها بعيدًا، هذه الريشة تخص طائرًا وحيدًا. ظل يغنِّي طوال الليل وراء الضلفتين المغلقتين، وحينما شعر بأنك لا تسمعه، أسقط ريشه من جناحه وحلَّق بعيدًا، هذا الطائر يفعل ذلك كل ليل، ولأشخاصٍ آخرين غيرك، حينما سيصبح بلا ريشٍ على الإطلاق لن يستطيع الطيران، وسيظل يغني واقفًا حتى يموت في مكانٍ لن يراه أحد، لكنك ستعلم بطريقةٍ ما أنه غادر العالم، حينئذٍ سيمكنك أن تخرج ريشته التي احتفظت بها، وتنظر إليها طويلاً لتكتشف إلى أي مدى يشبه الموتى بعضهم!
مشاركة من إبراهيم عادل
السابق | 1 | التالي |