2013-05-02
حسناً... شعرت بالحزن الشديد بعد قراءة هذا الكتاب كونه انسانياً للغاية وكتب من قبل دكتور وعالم نفس يهودي ذاق المر في سجون النازية ومع ذلك لم يتعلم منه اليهود الآخرين... لم يفهموا ماذا يعني أن تكون إنساناً... وتحولوا من ضحايا التطرف النازي الى المضطهِدين أنفسهم للشعب الفلسطيني.
الكتاب مقسم الى ثلاثة أقسام يمكن قراءتها ككل أو كل جزء على حدة:
- حياة فكتور فرانكل وخبراته داخل معتقلات النازية.
- المبادئ الأساسية للعلاج بالمعنى.
- التسامي بالذات كظاهرة انسانية.
خبرات في معسكر الاعتقال
فاجأني هذا الجزء كثيراً ولنقل أن كتابة مراجعة لهذا الكتاب استغرقت وقتاً لعدم قدرتي على تخطي ما قرأت. لا أعلم اذا كان من الجيد أننا حظينا بفرصة وجود عالم نفس في احد المعتقلات ليبن لنا بتسلسل سلس ومنطقي أهمية الحياة وما يمكن أن نستنبطه من معنىً للحياة من براثن المعاناة. طوال قراءتي للكتاب وأنا أفكر بالأسرى الفلسطينيين خلف قضبان الكرامة في سجون الاحتلال. بالنسبة لفرانكل، كان والداه وشقيقه وزوجته قد تم اعدامهم في معسكرات النازية أو في أفران الغاز ولم يكن يعلم أي شيء عن ذلك أثناء وجوده هناك، فكانوا هم الأمل... هم السبب في استمراره حياً... في ايجاده معنىً لكل محاولاته البقاء على قيد الحياة... أعماله وكتبه التي لم تنتهي بعد... المساجين الآخرين الذين شاركهم نفس الظروف النفسية والجسدية من القهر والحرمان والجوع والمرض والذل وواجبه تجاههم كطبيب نفسي تحتم عليه أخلاقه قبل علمه اعطائهم ولو بصيص من أمل...
"هل فكرت يوماً في الانتحار؟"... هذه الحياة التي لم يعد لها أي معنى... تمر الساعات والأيام بدون وجود أي فائدة ترجى من تكرار نفس اليوم نفس الأحداث مرة تلو الأخرى... ذلك الموعد مع الموت الذي يُضرب لك كلما نادوا على السجناء من أجل تغيير المهاجع أو السجن... ذلك المكان الذي تربض فيه أفران الغاز... لم يأت الغد بموعد جديد لكنه قد يأتي بعد غد... حسناً لقد جاء الغد مجدداً ولم يأتِ ذلك الموعد... وتدور الدائرة اليوم وغداً... اليوم وغداً... سلسلة لا تنتهي من المواعيد المضروبة مع الموت ولكنه في كل مرة يُخلف الموعد... ألا يأتي على الموعد أبداً... حسناً ربما في الغد... متوالية قادرة على أن تقودك الى الجنون... ثم يأتي هذا السؤال... لمَ لمْ تنتحر بعد؟!
أثناء وجودك في السجن مع مرور الأيام يتم تجريدك من كل شيء... من الفرح/السعادة/الأمل/الرجاء/الرغبة/الانسانية/القيم... لكن لا يستطيعون تجريدك من شيء واحد... "أن يختار المرء اتجاهه في ظروف معينة، أي أن يختارطريقه"... والحياة ليست سعادة مطلقة ولا حزن مطلق بل هي مزيج من هذا وذاك الذي يجعل للحياة معنى بعيد عن التكلف والاصطناع... أن تكون انساناً يعني أن لا تكون ملاكاً طوباوياً مثالياً ولا مادياً متكلفاً كما يقول علي عزت بيجوفيتش بل أن تصيب وتخطئ... أن تشعر بالحزن والفرح... بالسعادة والمعاناة... وكما يمكننا أن نجد معنى لحياتنا خلال لحظات السعادة يمكننا أن نجدها من قلب المعاناة... "فإذا كان هناك معنى في الحياة بصفة عامة، فإنه بالتالي ينبغي أن يكون هناك معنى للآلام والمعاناة، فالآلام والمعاناة جزء من الحياة ويتعذر الخلاص منهما، شأنهما في ذلك بل في مقدمتهما القدر والموت. وبدون المعاناة وبدون الموت لا تكتمل حياة الانسان". ذكرني هذا الكلام بسؤال طرحه علي أحد الأصدقاء عندما قال لي أن أتفكر بهذه الآية من ناحية فلسفية وليس من ناحية دينية... قال تعالى: " كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فانٍ "... اذا كان كل شيء محكوم بالفناء... بالموت... ان كان وجودي في هذه الحياة مجرد عبور مؤقت... ما الذي يجعلني أن أتمسك بها!!
يقول فرانكل "ان الطريقة التي يتقبل بها الانسان قدره ويتقبل بها كل ما يحمله من معاناة، والطريقة التي التي يواجه بها محنه، كل هذا يهيء له فرصة عظيمة – حتى في أحلك الظروف- لكي يضيف الى حياته معنى أعمق"... قال تعالى "قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ "... فقد يكون مقدر لك أن تحيا حياة الألم والمعاناة... هل يمكننا أن نهرب من قدرنا المحتوم... هل نتجاهل واقعنا ونهرب... الى أين.. الموت... الفناء... أم مواجهة هذا كله بشجاعة... هل يمكنني أنا أن أتحمل معاناتك وآلالمك عنك... أم عليك بالتسليم الى الله وتحمل مسؤولياتك... أن تتحمل معاناتك بنفسك... أن تكون مسؤولاً عن سعادتك بنفسك حتى لو كانت من خلال المعاناة... أن تتحمل كل هذا في سبيل دينك... في سبيل أحد تحبه... من أجل نفسك... أي شيء يمكنه أن يعطي معنىً لحياتك... معنى لاستمرارها....
المبادئ الاساسية للعلاج بالمعنى
أكاد أقول أن ما ورد في حياة فرانكل داخل المعتقل ما يغني عن قراءة هذه المبادئ في العلاج بالمعنى... فكل هذه المبادئ وكيفية الوصول اليها ستجدها مشروحة بشكل مبسط وقصصي تمكن أي قارئ من استيعابها. الا أن فرانكل ناقش في هذا الجزء طرق العلاج الاكلينيكية والكثير من المفاهيم عن ارادة المعنى، الفراغ والاحباط الوجودي (فرانكل يعتبر من رواد الفلسفة الوجودية)، معنى الحياة والحب والمعاناة وغيرها. وعلينا القول أن فرانكل لم يحاول اثبات خطأ سابقيه وهما فرويد (التركيز على مبدأ اللذة والتوازن الداخلي بين الأنا الأعلى والهو) وآدلر (السعي للسيطرة والقوة) بل ركز على أن الانسان لو وجد معنى لحياته سواء في اللذة أو القوة أو المعاناة فهو هدف كافٍ ليعيش من أجله.
التسامي بالذات كظاهرة انسانية
وهنا يرى فرانكل في أن حاجات الانسان لا تتركز دائماً على اشباع الرغبات الداخلية للانسان وتحقيق التوازن الداخلي بل أن الانسان بطبعه يتوجه الى شيء آخر يوجد خارجه. وبالتالي يكون اشباع اللذة كما يقول فرويد واشباع الرغبة بالقوة كما يقول آدلر ان هي الا نتائج ثانوية من غاية المعنى أي أن هذه المبادئ بحد ذاتها ليست غاية بل نتيجة لتحقيق المعنى. يقول فرانكل "ذلك هو السبب الذي يفسر لماذا لا يكون السعي وراء السعادة أمراً ضرورياً بل لماذا يكون أيضاً من غير الممكن أن نسعى وراءها؟ ذلك أنه الى الحد الذي يجعل الشخص من السعادة هدفاً لدافعيته، وبالتالي يجعل منها موضوعاً لانتباهه واهتمامه، فإنه يفقد البصيرة بالسبب الذي من أجله ينشد السعادة، ونتيجة لذلك فإن السعادة ذاتها تخبو وتتلاشى".
-----------
* ما بين الأقواس مقتبس من نص الكتاب
** قرأت النسختين العربية والانجليزية وقررت كتابة المراجعة بالعربية للتعبير بشكل أفضل عن هذه الأفكار
*** يمكن سماع المزيد عن أفكار فرانكل من خلالل هذه الروابط
****
****
****