عامٌ مضى على توفر النسخة الالكترونية لهذه الرواية، التي كنَّا قد التهمنا أختها قبلها بشهور (قواعد العشق..) وانتظرت أن أبرأ من الإعجاب ب"إليف شافاق"، وأن أبتعد طواعية عن عالمها الذي غدا أثيرًا، حتى أتمكن من الحكم على روايتها الأخرى بالقدر المطلوب من الحياد والدقة،
ولكني ما إن بدأت السطور الأولى ل"لقيطة أسطنبول" حتى وجدتني متورطًا مرة أخرى مع الشخصيات، منغمسًا في تفاصيل الأحداث، غير قادرٍ على الإفلات من هذه الرواية الشيقة، حتى نهايتها ...
تغيَّر العالم كثيرًا هذه المرة، فأصبحنا إزاء قصة واقعية تحمل بصمات التاريخ أيضًا وعمق المأساة، المأساة التي لم تقتصر على بطل الرواية "اللقيطة" بل تعدت حكايتها لتشمل ذلك العالم الذي سكت على حادثة إبادة عرقية كبيرة وهو ما حدث من الأتراك ـ الذين تنتمي إليهم الروائية ـ "للأرمن" ...
وبالرغم من تشعب الحكايات وتعدد الشخصيات في الرواية، إلا أن "إليف" على عادتها، وباقتدار استطاعت أن تلم بشخصيات ذلك العالم كله، وأن تضفَّر قصصهم وحكاياتهم في نسيج صنعت منه "طبق العاشوراء" العجيب الذي عنونت بمكوناته فصول روايتها ...
بين تركيا وأمريكا تجوب بنا شخصيات الرواية وبطلاتها آسيا وآرمانوش بين واحدة تتنكر لماضيها فإذا به بحضر أمامها بكل قوة .. وقسوة، وأخرى تبحث عن ماضيها بدأب ..فإذا به يتسرب من بين يديها مهما حاولت الاقتراب منه!!
ورغم احتواء الرواية على "أسرار" و"مفارقات" ومفاجآت كان يمكن أن "تبنى عليها الرواية" تمامًا وتتحوَّل إلى رواية بوليسية صرف، إلا أن الكاتبة كانت تمهد لمفاجآتها بكل بساطة حتى تغدو متوقعة واعتيادية .. يصل إليها القارئ حتى قبل التصريح بها!
العديد من المشاهد والشخصيات والمواقف التي رصدتها الكاتبة بدقة جعلت القارئ يتعاطف معها بشدة، في كل فصل بل أكاد أقول وكل فقرة، لاسيما الكشف الذكي عن المأساة الأرمنية ووصفها بدقة وجعلها ـ للمفاجأة ـ جزءًا من بنية الرواية وأحداثها في ذلك الماضي الذي يعود!
يبقى حاضرًا في ذهني مشهد دخول الخالة "بانو" على أخيها بطبق "العاشوراء" في آخر يوم له في حياته .. كمشهد فارق ومؤثر في الرواية،
شكرًا إليف شفاق .. للمرة الثانية على التوالي
والمترجم المحترف خالد الجبيلي...
وللصديق كتاب لتوفيرها الكترونيًا :)