تجاوز هذا العمل سرد الأحداث، وتعمد الولوج إلى ما فى أعماق الثورة، إلى أعماق اللغة، حتى تتكشف الثورة عن جوهرها .. فليست مُجرد سرد عقيم لأحداث متتالية، وإنما تفقه (بمعنى الفقه الأصيل) بكل ما تشابك مع الثورات .. ثم تطرق إلى كيفية تحول الثورات إلى فورات، إلى شئ مسخ، أقرب إلى المطالبة بمجرد مطالب فئوية لا تطمح إلى ما تجلى وقت قيام الثورة ذاتها .. تحدث د. يوسف زيدان عن أعداء الثورة، ليس الأشخاص ولكن أعداء الثورة من الأفكار الداخلة، والنوايا الخبيثة والتى تدمر الجذور الثورية وتسبب شروخ دائمة بالفكر الثورى الإنسانى.
لم يركز فقط على الثورة المصرية وأحداثها، بالرغم من كثرة الأحداث، والنواكب .. وإنما ربطها بالثورات العربية بشكل عام، لوجود الكثير من الصفات المشتركة والتضاد الجوهرى بينهما .. فتحدث عن المراحل الثورية الثابتة وأكد على اختلاف الصور وثبات الجوهر
لن أنسى تطرقه إلى ما أصاب صرح مكتبة الإسكندرية، وكيف تحدث عنها بشجن وحزن شديد .. كيف تحول الحلم الوردى البهيج إلى كابوس أسود سقيم .. كيف تحولت المكتبة إلى مبانِ مُتراسة فقط لا غير .. وكيف حاول بشتى الطرق والوسائل إنقاذها ولكنه فشل واعترف أنه استسلم حتى يحين الوعيد
ثم عاد د. زيدان إلى شرح أفكار تأسيسية، لردم الأفكار الخبيئة التى دخلت على العقول ومنها ما هو الميدان وكيف يؤثر على عملية صنع القرار .. والدولة الدينية والخبل الذى أصاب العقل المصرى، وأى خبل أطاح بالعقول والأفكار وجعلنا سجناء والحرية ترنو بعيداً عنا .. هذا الفصل أشبه بالأعمدة يسعى د. زيدان اعتماداً عليها لرفع البناء، لعلى وعسى يوماً يصل إلى علياء السماء، كما يحلم ويتمنى
أما منارات الحكمة التى جاءت بين طيات هذا الكتاب، فلن تقرأ مرة واحدة .. أعلام شامخة، وصفحات ناصعة البياض فى تاريخ العرب المسلمين .. وقتما كان الإسلام دينياً وحياة، وليس وسيلة للغناء .. يوماً ما أنا على يقين أنا د. زيدان نفسه سيكون من ضمنهم .. من رفع رايات الحق ولم يخف يوماً من الظلم والطغيان
ولا يمضى كتاب بدون أن يرفع د. زيدان راية النـُصرة للأنثى .. ويهاجم الذكورة .. بداية من (أخجل أن أطلق عليها مقالة، دعنى أطلق عليه تجلى وتكشف) الخاصة بالعالمة الجليلة هيباتيا .. دائماً تعصف بدكتور زيدان الشجون عندما يتحدث عنها ويعصف هو بنا .. يا ليتها يوماً تقرأ ما يكتب عنها، وكيف دافع عنها، يا ليت
ولكن يقسو دائماً د. زيدان على الذكورة وهاجمها فى مقالة إست .. أيها المُعلم الجليل أنت تدرى أن الذكورة مرت بنواكب شتى، وعواصف الشهوات وحب السلطة وما تحمله من افتنان، ولم يستطع عليها الذكر إلا عندما تخلت عن مكانتها، يكفى عليها عُهر ما وصلنا إليه، وخجل ما آل بنا .. عذار على أى خطأ لغوى كان، هذا ما هذا ما جال بالوجدان ..
بنهاية الكتاب حملت تجليات فريدة من نوعها للدكتور زيدان، فى وصف ما فات وما كان ..هذه التجليات لا تقرأ وإنما تـُكتب بماء الذهب، لم نعشق كليوباترا، حتشبسوت، وصراع حتحور وسيرابيس كما حدث وأنت تقرأ مفاد الحكمة المؤنثة
نقاط سلبية:
موقف نفرتيتى من زوجة أخناتون وتوحيد المعبود، يُقال عكس ما ورد بطيات هذا العمل والإنجاز أن الزوجة كانت غير مؤيدة لفكرة توحيد العباد لعبادة إله واحد وقتل التعددية فى الدين .. والله أعلم
اقتباسات:
# النادر لا يُقاس عليه
# لا يوجد سيل ينهمر بلا نهاية، لا توجد ثورة تنطلق بلا غاية
# الظلم لا يبدأ عارماً، ولا يمكن أن يولد فاحشاً، وإنما يتطور رويداً رويداً.
# تختلف بدايات (الظالم) عن نهاياته، بل تكون أحياناً متناقضة.
# الثورة إذا كانت محدودة بهدف مخصوص فهى شكوى، وإذا كانت محكومة بمصالح فئة معينة فهى حركة، وإذا كانت موجهة من شخص أو جماعة فهى خدعة، وإذا كانت مرهونة بمطلب واحد فهى تفاوض، وإذا كانت قاصرة على الرجال فهى غير إنسانية.
# الأعراف تفعل فعلها فى المجتمع وهى محمولة بجناحى (الاستحسان، الاستهجان).
# إن كان الفعل الثورى فى حد ذاته (يناقض) جميع القواعد والنظم العسكرية.
# إن الظروف المؤدية إلى الظاهرة تظل تؤدى إليها ما دامت قائمة.
# هنا فرقاً بين الأسباب والعلامات، أو بين المرض والعرض.
# أى حل عملى يجب أن يسبقه إطار نظرى. وما دامت أمور الدنيا قد اضطربت، فلا مهرب من الأرض إلا بالعروج اليائس إلى السماء.
# الفرد والجماعة الإنسانية، كليهما إذا غاب عنهما الحكم الفعلى والفعل المتحضر صار أسوأ حالاً من بهيمة الأنعام.
# إذ كيف يمكن للرجل أن يكون حكيماً (أى متوغلاً فى الإنسانية) وهو لا يحب المرأة التى تكتمل بها معنى الإنسانية، وبها ارتبطت الحكمة والتأله منذ فجر الإنسانية.
# واعلم أن هذه الآثار الباقية عن القرون الخالية المسماه التباساً "الدولة القديمة" والعالمون يدعونها "المملكة القديمة" والخائبون، لأنهم لا يعرفون، يكتفون بوصفها بالأمم التى خلت، سألت: فما اسمها الصحيح؟، قالت: زمن البدايات، الذى به تصح النهايات ويشرق الفجر الفائت بسبب احتجاب الربة ماعت