تقول إحدى القواعد : "إن السعي وراء الحب يغيرنا فما من أحد يسعي وراء الحب إلا وينضج أثناء رحلته فما إن تبدأ رحلة البحث عن الحب حتي تبدأ أن تتغير من الداخل والخارج”
من الروايات التي تسرق الوقت و تثير الدهشة وتنقل القارئ ليعيش أحداثها وكأنه يراها عياناً ويحياها كأحد شخوصها.
في التكنيك الروائي نجد رواية داخل رواية و خطّان من الزمن يدور الأول من خلال شخصية إيلا وعائلتها الذين يعيشون في ولاية ماساشوستس في الزمن الحاضر و العام ٢٠٠٨ تحديداً
والثاني في القرن الثالث عشر ميلادي حيث يلتقي الدرويش الذاهل و الطواف الشمس التبريزي بتوأمه الروحي مولانا جلال الدين الرومي.
تُكلّف إيلا من قبل وكالة نشر أدبية بقراءة مسودة لرواية كتبها عزيز (اسكتلندي الأصل أسلم بعد لقائه بعض المتصوفة في المغرب) بعنوان "الكفر الحلو" وفيها يسجل القواعد الأربعين للصوفيين المتجولين و المبادئ الأساسية لدين العشق الذي هو جوهر الحياة بنظره.
تحكي رواية "الكفر الحلو" قصة شمس التبريزي و انتقاله إلى بغداد ومنها إلى قونية و الرؤى التي تتمثل له إلى حين لقاؤه بالرومي و"الصحبة" التي تمت بينهما والتي كان من شأنها تفجير ينبوع الشعر عند الرومي وإنتاج رقصة الدراويش "المولوية" والباقية ليومنا هذا، و تظهر في الأحداث زوجة الرومي كيرا وابناه و ابنته المتبناه كيميا و شخصيات أخرى مثل سليمان السكران و البغي وردة الصحراء وبيبرس المحارب.
تعتمد الرواية على تعدد الأصوات السردية بحيث يتناوب أبطال و شخصيات الرواية في سرد الأحداث في ٥٠٠ صفحة تقع ضمن ٥ أجزاء (التراب، الماء، الهواء، النار،العدم)
لعل أحد مكامن القوة في الرواية إجادة الروائية للعب على الواقعي و المتخيل في النص فهي تستند لشخصيات حقيقية في الأغلب تجيد تحريكهم بتناولها لأحداث تاريخية حقيقية أيضاً مثل قصة اللقاء التاريخي بين البطلين و مقتل التبريزي وغيرها لتسد الثغرات بشخصيات أخرى متخيلة وأحداث ترفع من مستوى الحبكة و تطورها و تشد القارئ بفصولها السريعة واعتمادها على الجمل القصيرة وتقريرها للقواعد من خلال ربطها بالأحداث والحوارات.
قد يلفتنا ترابط لغة الرواية (خصوصاً على لسان شمس) مع النسق الفكري للتصوف فهي لغة رمزية دلالية تفتح باب المجاز والتأويل وتُحيل القارئ لعبارة الحلاج الشهيرة "من لم يقف على إشاراتنا لم ترشده عباراتنا)!
وتتمظهر في الرواية بصورة واضحة الجدلية التاريخية بين المتصوفة والفقهاء وكذا الحديث عن "الشريعة والحقيقة"!
من جهة أخرى تعيد لنا الرواية بتناولها لشؤون الصحبة بين التبريزي والرومي قصة النبي موسى مع العبد الطوّاف الخضر و ترسم صورة للحركة بين الأقطاب المتناقضة والتي تؤدي لخروج الإنسان من التناقض إلى الإنسجام ومن الجزئية للكليّة ومن التعدد للوحدة ومن الفناء إلى البقاء وما يعبر عنه الصوفية باسم الأحوال في تنقل الروح وتحولها بين الصحو و السكر والفقر والغنى. تقول القاعدة ٣٩:" مع أن الأجزاء تتغير فإن الكل يظل ذاته لأنه عندما يغادر لص هذا العالم يولد لص جديد وعندما يموت شخص شريف يحل مكانه شريف آخر وبهذه الطريقة لا يبقى شيء من دون تغيير بل لا يتغير شيء أبداً أيضاً".
من اللفتات الجميلة في الرواية ما جاء على لسان شمس ص٣٦٩ "لا بد أن فكرة أن الشيطان يقبع خارجنا تمنحنا إحساساً كبيراً بالراحة ومخرجاً سهلاً"
إذا سلّمنا بما جاء في الرواية بأن "اليوم كما هو الحال في العصور الوسطى هناك انفجار في الاهتمام بالروحانيات و بدأ عدد أكبر من الناس في الغرب يحاولون التقرب من الروحانيات في غمرة حياتهم المنهكة في العمل.." فسيبعث السرور في نفسنا أن نعلم بأن " ديننا هو دين العشق وجميع البشر مرتبطون بسلسلة من القلوب فإذا انفصلت حلقة منها حلت محلها حلقة أخرى في مكان آخر، ومع موت كل شمس تبريزي يظهر شمس جديد في عصر مختلف باسم مختلف.. إن الأسماء تتغير تأتي و تذهب لكن الجوهر يبقى ذاته!"
من لم يقرأ "قواعد العشق الأربعون" فقد فاته الكثير!