الارواح , الحب , المشاعر , البشر , الكون , الشياطين , الاديان , وغيرها من أجزاء عالمنا الدنيوي الذي نحياه
خاب أملي في فحوى الكتاب بمجرد تقدمي عبر صفحاته , فقد كان جيدا كبداية ولكنه أخذ بالتدهور رويدا رويدا حتى هبط قاعا
لاسباب عدة اخشى الاسهاب فيها ويطيل كلامي
فهناك التناقض , والغلط التاريخي , والرؤية المحدودة للمجتمع البشري , اضافة الى الطرح الغاية في الكلاسيكية والتقليدية
والجمود
وأخيرا , عدم تمكن القاريء من العيش وسط أرجاء الرواية وتخيلها كأنها عالم حقيقي والانسجام والشعور بأبطالها لان الكاتبة ظلت تذكرنا باستمرار ان هذه رواية كتبها عزيز وتسعى ايلا لتحقيقها !
اما من ناحية التناقض , فالرواية تتحدث عن العشق الإلهي ومعرفة الله وحبه , ولكن الحب في هذه الرواية تجسد بين أشخاص وليس بين اشخاص وخالقهم !
على سبيل المثال "وافق جلال الدين الرومي ان يذهب للحانة رغم انه لا يرغب في ذلك لأسبابا عدة لكن لأجل شمس ولحبه له ولثقته به ذهب للخمارة وتحدى كل شيء , وهذا يدل على العشق والحب الذي يكنه الرومي تجاه شمس دونما ادنى شك , وعلى الجانب الآخر فشمس لم يمنعه عشقه وحبه لله من احتساء الخمره , رغم ان الله يخبر عباده صراحة الا يشربوها ,والحب والعشق يستوجب ان يتبع الحبيب محبوبه مغمضا العينين ويطيعه رغم كل شي كما فعل جلال الدين عندما اطاع شمس واشترى الخمر من الحانة ! "
الشيء الآخر الذي اعتبره يتسلل الى باب التناقض هو طبيعة شخصية شمس التبريزي في حد ذاته فهو يعول على الحب بين الاشخاص دائما وابدا , ولكن تصرفاته على الصعيد العام لم تكن تنبيء بهذه المعتقدات الغاية في الحب واهميته بين البشر
فكانت تظهره الكاتبة في اكثر من موقف , بمظهر الشخص صعب المراس , عندما أقام بالتكية مع بابا زمان , وعندما صار يمنع دخول الناس الى الرومي دونما هدايا وكيف ان تصرفاته كانت تجعل الناس تنفر منه , عندما سأله سلطان ولد لماذا تجلب الاعداء ؟ كان جواب شمس انه لا يعتبرهم أعداء وعادت روح الحب بين الاخرين تعود الى لهجته , ولكن ما فائدة هذا من ناحية منطقية اذ كان ذاك الرجل غادر من امام شمس وهو غاضبا مستاءا من سوء تصرفه معه ؟
تحدث شمس عن شيء باطني يجعله لا يكره هذا الرجل ويقول ان ذاك الرجل لا يدرك ذلك , ماقيمة الحب ان لم يصل الى ادراك المحبوب ؟ اوليس الحب لكل المخلوقات وكل الناس ؟
الكاتبة كانت تظهر روح شمس المثالية في حديثه وكلامه وايضا في تعامله مع اشخاص بشكل انفرادي , على سبيل المثال المتسول حسن ووردة الصحراء والسكران, ولكنها عجزت على اظهار روحه المثالية لتكون تحمل حبا ولطفا يشمل كل من يراه وتقع عليه عيناه
أمر آخر هنا
ساتوقف الى هنا بخصوص ما رأيته من تناقض فهناك الغلط التاريخي , أضحكني وصف كيميا كيف تقرر لها انها مميزة ويجب ان تتلقى العلم ويبدو ان طريقة تلقيها للعلم كانت على صورة ساذجة مقارنة بذلك الزمن وهنا أضع مثالا , عندما بحثت عن الرومي ليعلمها ولم تجده طلبت من شمس , ماهو الذي طلبته ؟ تطلب منه ان يشرح لها سورة النساء
لانها استعصت عليها في بعض الامور
بدا وكأن كانت هذه صورة تعليمها ولكن هذا الموقف في حد ذاته مضحكا ومثيرا للسخرية , حيث كان في ذلك الوقت عندما يُشعر انها مميزة فهو يعتمد على فطنتها وذكاءها وسرعة حفظها لا على رؤية أشباح ! وأيضا كانت طريقة التعليم هي الفهم والتعمق في بحور اللغة واغوارها من عروض وبلاغة وشعر وأصول بحيث تتفقه الفتاة وتصبح قادرة على التفسير لا ان تجلس كالحمل الوديع "وهي التي وُصفت بانها مميزة ويجب ان تتعلم ! " وتطلب بكل غباوة احتاج الى شرح هذه السورة ! كان هذا الشطر مضحكا ودون المستوى
وايضا ذكرت في حوار بين علاء الدين واأخيه " نظريات المؤامرة" لست متاكدة من هذه النقطة ولكنني لا اعتقد ان هذه العبارة كانت شائعة انذاك
اما الرؤية المحدودة للمجتمع البشري فهي تتمحور في كون ان الطوائف التي تعددها الكاتبة باستمرار هي
"علماء الدين المتعصبين ومن يتبعهم من الناس + الدراويش +السكارى+البغايا+المتسولين"
هذه الاصناف التي تمركزت على ذكرهم الرواية , هل هذا فقط ما يحفل به المجتمع البشري؟ شعرت ان وصف المشاعر الانسانية كان هزيلا جدا جل المشاعري الحقيقية والتي تغرس في قلوب الناس لم تُذكر بين طيات هذه الرواية , هناك أصناف عديدة من البشر دائما لم تجد تلك الاصناف الاخرى مكانا لها وسط هذا الكتاب
وايضا حصر كل شيء في الحب ! كل شيء هو عشق والدين دين العشق
عندما نريد ان نرى من عين منطقية "وليس عين ثالثة واهية " هل يمكن للعالم ان يصبح مثاليا لهذه الدرجة ؟
ماذا يفعل الذي قتل رحمه امام عينيه ومثل به ! هل يبقى يحافظ على مشاعر العشق ؟ وحب كل الناس حتى يعرف الله ؟ حتى ان كان قلبه محطما بائسا !
يقول شمس ان الرومي يجب ان يعرف الاصناف الاخرى من البشر ليختبر مشاعرهم ويشعر بهم وكأن شمس يعرف الاصناف الاخرين من البشر ؟ وهو الذي عاش متجولا ! مالذي يعرفه شمس تجاه المشاعر المتوهجة المؤلمة والتي على نقيضها
التي تسكن البيوت ومصائبها , مشاعر الابوة المحطمة الامومة النادمة , الصغار المظلومون , مشاعر كثيرة يحتاج شمس لإدراكها قبل ان يقرر هو وجلال الدين الرومي قواعد العشق الاربعون , المثير للسخرية عندما رأى شمس ان الرومي يحتاج لمعرفة احوال الاخرين عرفه على السكارى والمتسولين ومن على شاكلتهم وانتهى االامر وكأن هكذا اصبح الرومي على معرفة باحوال البشرية وما يخالج اعماقهها ؟!
اما الطرح الذي اعتقدته تقليديا جدا هو
ان الرواية لم تعالج شيء جديد أو نقطة حديثة أو لفتة مبتكرة , انه ديدن قديم يقوم على مقارنة رجال الدين واتباعهم الذي يعتقدون انهم أفضل من الذين يرتكبون الذنوب وبين الذين ينتقدون عنجهيتهم وافتراءهم على الله , فالإيمان كما هو معروف في الديانة الاسلامية يسكن روح الانسان والمسلمون متساوون أمام ربهم , والفضل بينهم لا يعرفه البشر يعرفه الله فقط لأنه الذي يدرك حقيقة وعمق الايمان الذي يسكن في قلوبهم , هذه رؤية بسيطة جدا وكل انسان مؤمن يدركها , ان الله هو من يقيم عباده ليس العباد من يقيمون العباد , اذا كان الشخص يشرب الخمر فهذا لا يعني انه مطرود من رحمة الله او انه أسوأ الخلق , ربما يكون هناك ايمان عميق في قلبه , مثل الرجل الذي لم يقبل
النبي ان يشتموه الصحابه لأنه كان شاربا للخمر , قال لهم النبي انه يحب الله ورسوله ,, ولكن الكاتبة هناوضعت واقع
كانت تضع هذا النوع من البشر كأنهم بسبب ارتكابهم للذنوب والخطايا بعيدين عن الله ويكادون لا يؤمنون به حتى يأتي شمس وينورهم !
وايضا بالغت في مناقشة هذه النقطة وانا التي اعتبرت هذا الامر سخيفا للغاية , ماقيمة ان اجادل واعيد الكرة في الاشخاص الذين يعتقدون انهم أفضل من غيرهم واشرف دينيا ؟! اعني ان هذه طبيعة بشرية الناس ثرثارون ويحبون ان يظهرو من لا يحبونهم بمظهر أسوأ منهم فإذا ارتكبو خطايا انتهزو الفرصة وشتموهم بخطاياهم واذا كانو جهلة انتهزو الفرصة وتظاهرو بانهم أفضل منهم لانهم متعلمين , واذا فعلو أو لم يفعلو دائما يجد البشر لانتقاد بعضهم والتظاهر بانهم أفضل من غيرهم , وهذا نوع من سخافات البشر وطباعهم الحمقاء لا اعتقد انها تحتاج كل هذا الاهتمام والتدقيق , هل البشر آلهة ؟ هل اذا قالو البشر ان السكير ملعون والله لن يسامحه هل بالفعل الله لن يسامح السكير ان تاب له وطلب مغفرته ؟ بالطبع لا لأن الله العادل والرحيم , والبشر مجرد مخلوقات تثرثر كثيرا
أمر آخر بخصوص الرواية وسردها , كنت اتوقع حماسة أعظم وانا انتظر لقاء شمس والرومي وكيف سيتأثر الرومي بشمس , ولكنني صعقت انها جعلت الرومي يتأثر بشمس على الفور ومنذ اول ليلة يقضيها في بيته ! اعني انها اتبعت الاثر التاريخي حرفيا في هذه النقطة مافائدة انشاء رواية على هذا المنوال ؟!
وأيضا صورة الاسلام التي يجسدها شمس بأقواله وتصرفاته تنافي تصوري الشخصي للإسلام , فأنا أعتقد الاسلام أكثر حيوية واملا وانتعاشا وتحرقا للحياة , عندما اعمل بجد وبعمل دؤوب عندما أعامل الناس " وبشكل صريح " بالحب والابتسامة بحيث لا يحتاجو الى عين ثالثة ليفهمو حبي وتقديري لهم , وايضا ظهوره بصورة المتسول ! انه ليس أمر جميل البتة اعني ان الاسلام دين الجمال وليس فقط العشق
لا اعرف لماذا أحب شمس ان يجعل الرومي يكون كمتوسلا ويجلسه مكان المتسولين رغم ان المسلم يجب ان لا يكون اتكاليا ويجب يكون عزيز النفس ومتواضعا في الوقت ذاته , بالنسبة لي اعتقد ان الاسلام دينا للحب والعمل المتفاني
وعزة النفس وحتى لو كان الانسان فقيرا عليه ان لا يجعل الناس يشفقون عليه وينظرون اليه نظرة الفقير
أمرا آخر اثار استغرابي , طلب شمس من وردة الصحراء مغادرة المبغى , اتساءل ان كان طلب منها ذلك لتتوب الى الله وتعلن العودة اليه , هل هو أيضا يتوقف عن احتساء الخمره ويتوب الى الله كما فعلت وردة الصحراء , لان من حرم فعلها حرم فعله على نحو سواء !
هناك الكثير من الخلط في هذا الكتاب ,بدايته كانت شيقه كما أسلفت ولكنه أصرّ على الانحدار , واذا اردت ان اختم كلامي من ناحية دينية فإن الاسلام هو دين الجمال والعشق والحب والرحمة والعمل والنشاط والطموح والقوة وعزة النفس والارادة والعزيمة واشياء كثيرة متكاملة , تلتقي في الاسلام المقدسات والشخصيات الدينية ابراهيم موسى عيسى محمد مريم حنة سارة عائشة فاطمة خديجة