في اللامبالاة فلسفةٌ ، أنها صفةٌ من صفات الأمل *محمود درويش .
تصنع اللامبالاة محور الرواية كأفاعٍ من حبال ، يتوهّم المرء أنه جزء من الرواية وأن اللامبالاة صنعته وحِرفته ويتصنّع الكاتب نفسه داخل أحداثها وتقوّم الشخصية الرئيسية عامود الكون بعبثِ العارف ، السؤال الذي يبعث على الغرابة ، كيف كان للامبالاة كل هذا الزخم في عصرٍ يدّعي أنه أقام حروبًا ليحصد الوعي والعدل والتحرر ؟!
تدور أحداث الرواية في الجزائر حيث يصبح العربيّ لاشيء ويوزّع الكاتب أسماءً على كل شخصية صغيرة وكبيرة إلا العربي الذي بمقتله تنقسم الرواية إلى قسمين ! الكاتب يزرع هنا فكرة الاحتلال الذي يلغي هوية الواقع تحته بعمدٍ يوصلنا إلى برودة القاتل في رصاصاته التي استقرّت في جسد القتيل ، فالأولى كانت الصدمة والتاليات كانت دليلاً على عدم أهمية المقتول .
تموت أم ميرسول فلا ينشغل كثيراً بموتها أو أسبابه ، تحبّه امرأة فلا يعنيه كثيرا أن تبقى معه العمر كله أو تتركه صباح اليوم القادم ، يكتب رسالة يستدرج فيها امرأةً للموت أو الاغتصاب أو الذل فلا يعنيه كثيرا هذا الأمر ، يستغرب كيف يدافع المحامونَ عن قاتل يعترف بجريمته ويزيد استغرابه كيف لا يسأله أحدٌ عن الجريمة فيما ينشغلون في تحليل شخصيته وهو صامت ! لعل الكاتب يدفعنا لما أسلفتُ ذكره في اقتباسي عن درويش : “إن رجلا يقتل نفسًا فلا ينشغل العالم كلّه بالقتيل ولا الجريمة بل يشغلهم شخصية القاتل المتلبّدة غير المؤمنة هو مجتمع اعتاد الموت حتى أصبح لا مبالياً به ” ، الكاتب يضربنا صعقات حتى ننتبه للموت ونعطي النفس أولوية قبل أي شيء ، ولعل واقعنا الحديث يملك من الدلائل على تبلّد مشاعرنا نحو الموت الكثير ، فانظر للوطن العربي من شرقه لغربه وأنت تعلم ما أعني .
يدفعه الكاهن لكي يؤمن قبل الموت ، ما نفع الإيمان في مجتمع كافر ؟ لعل الموت يبعث في هذ المكان روحاً جديدة ، هذه الجبال الخضر التي شعر بها وهو في سجنه هي بارقة الأمل الوحيدة التي تمنّاها قبل موته ، موته الذي تمنّى أن يحضره الجميع ويصرخون بحقد ، يصرخون حتى يسترجعوا هيبة الموت وشعورهم به حتى يبدأوا بالإحساس أن الموت ليس شيئا يمرّ هكذا دون شعور .
اقتباس ” وأمام هذا الليل المحمّل بالعلامات والنجوم ، كنت أنفتح للمرة الأولى على لا مبالاة العالم . وإذ شعرت بالعالم شبيهًا بي إلى هذا الحد ، أخويًّا في آخر الأمر ، أحسست أني سبق أن كنت سعيدًا، وأني كنت ما أزال سعيدًا ، ولكي يكتمل كل شيء ، ولكي أحسّني أقلّ توحدًا ، كان يبقى لي أن أتمنى أن يكون هناك كثيرٌ من المشاهدين يوم تنفيذ الإعدام بي ، وأن يستقبلوني بصرخات مليئة بالحقد والكراهية ” .
تقوم الرواية على الفكرة وتغوص فيها كثيراً غير مبالية في التركيب اللغوي ، لكن قوة الفكرة تعميك عن هذا الضعف ، الترجمة التي بين يدي رديئة فالمقاطع غير مترابطة وتشعر ان هنالك وقفات في النص دون أي داعٍ .
أفرد الكثير من النقاد الوقت لهذه الرواية حيث استحضروا فيها شخصية الكاتب وأفكاره ونظرته للجزائريين ما قبل ثورتهم وما بعدها وكيف تخلّى الكاتب عن الجزائريين بعد الثورة ولا ألومهم على ذلك فلكل رأي ما يرجّحه ويدعمه .
الرواية قادرة على أسرك في غرابتها وعمقها الفكري ، أنصح بها بشدّة .