إقليم كاستاليا الذي يمثل دولة صغيره داخل الدولة الأم، وتتمثل خصوصيته بكونه مكان يختص بالبحث عن نخبة التلاميذ في البلاد وتنشئتهم وتعليمهم، وظيفة التلاميذ تتمثل في الدراسة والبحث ثم الإنجاز في العلوم والربط بين العلوم المختلفة ... لكن خصوصية كاستاليا أو "روحها" تكمن في لعبة الكريات الزجاجية التي يتقنها صفوة الصفوة من التلاميذ ... والرواية لم تصف تكنيك اللعبة ولكنها باختصار لعبه أساسها الموسيقى والتأمل، وربما عدم وصف تكنيكها يرجع لنية المؤلف بإطفاء نوع من القدسية على اللعبة وليحسَّ القارئ بوجود حاجز بينه وبينها لأنه ليس من أولئك الصفوة (ربما، مجرد تخمين)... وسيد هذه اللعبة يسمى "بالماجستر لودي" الذي تكمن وظيفته في الحفاظ على روح كاستاليا آلا وهو اللعبة "لعبة الكريات الزجاجيه"
وهذه الرواية التي اعتبرها سيرة ذاتيه أكثر من كونها رواية لحياة الماجستر لودي "يوزف كنشت" من الطفولة إلى أن أصبح سيداً للعبة ومن ثم تخليه عن وظيفته وتركه لكاستاليا وفي النهاية وفاته وبعض الآثار التي تركها
الرواية بحد ذاتها كفكرة وأحداث وتناولها لفكرة اليوتيوبيا "يوتيوبيا كاستاليا" عادية جداً ولكن شخصية يوزف كنشت هي الشيء الغير عادي ... المؤلف تتبع رحلته في البحث عن الوحدة الداخلية وفهم النفس بسرد فلسفي شديد التعمق ... لا أعتقد أن أي شخص يقرأ الرواية لا تشده هذه الشخصية الفذة بسلامها وصفاءها الداخلي
تنوعت شخصيات الرواية ولكني أجد شخصية "بلينيو ديزنيوري" أكثرها تأثيرا في مجرى الأحداث، فهو ليس من المقيمين في الإقليم ولكنه ابن لعائلة لها ثِقلِها (العراقة والثروة) ويُسمح لهذه العائلات بإرسال أولادها للدراسة في كاستاليا ... وكان بيلينيو الشخص القادم من العالم الخارجي يشن هجوماً شديداً على سياسة المدرسة وكان يوزف كنشت هو المحامي عن كاستاليا ... فتطورت العلاقه بينهما من العداوة إلى الصداقة وفي اليوم الذي تخرج فيه بيلينيو ودَّع كنشت وقال له ( تبيَّنت شيئاً فشيئاً أن بقائي في كاستاليا سيكون معناه التجائي إلى الهرب، إلى هرب شريف،كريم، ربما، ولكنه على أي حال هرب لا أكثر ولا أقل. سأعود وسأصبح إنساناً من أهل الدنيا، واحداً من أهل الدنيا يكن لكاستاليا الامتنان....) وكانت هذه العلاقة التي تجمعهما بذرة زُرعت في داخل كنشت ستنمو مع الوقت لتغير مجرى حياته لاحقاً
ومن هناك تطورت الأحداث وأصبح كنشت الماجستر لودي والغريب أنه لم يكن حلمه ولم يسعى لذلك، بل كتحصيل حاصل لتميزه فقط ....... وخلال ممارسته لمهنته اكتشف ولعه بتدريس الخامات النقية من البشر " الأطفال" ولكن منصبه وقف حاجزاً في طريقه فأحس بالحرمان ولذلك فقد شغفه لكاستاليا خصوصاً في ظل إحساسه بالخطر عل مستقبل كاستاليا لتدهور نوعية التلاميذ وانعزال كاستاليا عن سياسة العالم الخارجي ... و في هذه الحالة النفسية يعود ويظهر صديقة القديم بيلينيو الذي كان محطماً نفسياً غارقاً في الشُرب لعدم تمكنه من الصمود في العالم الخارجي بمفاهيم كاستاليا، ومشاكله العائلية ... فكان هذا اللقاء بمثابة الشعرة التي جعلته يقرر التخلي عن يوتيوبيا كاستاليا والذهاب إلى الدنيا الحقيقية
بعد أن وصل يوزف كنشت إلى قمة الهرم في كاستاليا بأن أصبح سيداً للعبة، وقرر أن يترك كاستاليا بعد خمود شعلة الشغف بداخله وصف الحياة بجملة قال فيها(كان الإنسان هنا خارج العالم، كان الإنسان هنا عالما صغيرا كاملا لا ينمو ولا يتحول) وكأنه أراد أن يقول بأن السعادة نعيشها أثناء سعينا للكمال وما أن نصله فإننا نشعر بالملل
لو كان تقييم الرواية يتوقف فقط عن شخصية يوزف كنشت فإنني سأمنحها خمس نجوم للأثر الذي تركه في نفسي ... لا أعتقد أني سأنسى هذه الشخصية وخصوصاً أن الرواية من النوع الذي تزداد جمالاً عند تأملها وتذكرها بعد أن نغلقها وننتهي منها
"لعبة الكريات الزجاجية" الحائزة على نوبل 1946 ، علمت أنها نشرت أيضاً تحت اسم "ماجستر لودي" وأعتقد أنه يليق بها أكثر كعنوان ... رواية تقرأ على مهل وبتركيز شديد ... سعيدة جداً بروعة الترجمة