هي مرّتي الأولى و الأخيرة مع أثير لا لأنني لم أُحببها بل لأنني لا أرغب بإفساد جمالية "هذام" ,أخشى إن قرأت شيئاً آخر لها أن لا يروقني فأُحبطُ لأن من كتبت هذه الرواية هي نفسها التي اختلقت شخصية "هُذام" لذلك أقسمت بأنني لن أقرأ شيئاً آخر لأثير .
ماذا أقول في "هُذام",أي شخصية تأسرني حدّ إيماني بأنه هو من كَتَب الرواية و ليس أثير , اعتدت أن أُضيف اسم الكاتب عندما أتحدث عن كتابه إلاّ هذه الرواية فأنا لا أُلحقها إلا باسم هُذام,ليست مرّتي الأولى التي أقرأ فيها رواية تُسهب في الأحاديث الذاتية وعلى الرغم من أن البعض يرى أن هذا الأمر يكسر متن الرواية إلا أنني على خلاف مع هذه النظرية,أُحب جداً أن تتحدث الشخصية عن نفسها حدّ العمق وكلما كانت اللغة أرقى كلما كان الحديث أشدّ متعة وأكثر عُمقا و جمالاً إذ أشعر بأنني أتشرّب بالشخصية أفهمها جيداً و أستطيع تبرير أفعالها و التكهّن بها.
عجباً لي,إنها مرة الأولى التي أقرأ فيها رواية أكثر من مرة قرأتها أربع مرات وبصدد القراءة الخامسة , وكلما أسمع كلمة (ديسمبر) تتبادر إلى ذهني بداية الرواية (تدهشني هذه المرأة ..تدهشني فوضويتها في الحياة...),أي رواية تلك التي جعلتني أحفظ نصوصها عن ظهر قلب؟
أكثر ما أحببته في الرواية هو فكرة ( التغيّر) لا يهمني لو كان إيجابياً أم سلبياً ففي كلتا الحالتين الأمر صعب , أن يستطيع إنسان التغير 180 درجة عما كان عليه هو أمر مثير حتما للإعجاب و محفّز أيضا على الرغم من كل ذاك الحزن الجميل في الرواية,التفاتاتها نحو القضايا السعودية المعتادة ( الحرية , العنصرية , العادات و التقاليد) لم يكن مملا كبعض الروايات , لغتها السلسة جداً و حروفها القوية أثرت فيّ و بشدّة قصة حب من النوع الراقي و إن كانت بنهاية مؤلمة ذات حوارات من مستوى عالٍ يتطلب معدّلا من الثقافة في الموسيقا و الأدب و الفلسفة , و مع قراءاتي المتعددة لهذه التحفة الفنية استطعت التعرف على كل الشخصيات الأدبية و الفلسفية في الرواية ( فولتير مصطفى محمود ويليام جيمس ....), من خلال هذه الرواية تعرفت على كثير من المصطلحات التي كنت أجهلها كوني لا أزال طالبة مدرسة كالموساد مثلا و الشخصية السايكوباتية وأشياء كثيرة أخرى , عندما تقرأ هذه الرواية تحتاج لذات متحررة من أي رأي عنصري من أي ناحية حتى تستطيع الغوص فيها دونما تذمر لرأي يخالف رأيك و بعد إنهائها يمكنك مناقشة ذاتك بهدوء لكل فكرة تحدّث عنها هذام في الرواية,أكثر مقطع أعجبني عندما قدّم شاب متزمّت استمارة وظيفته شاطبا كلمة ذكر من خانة الجنس ليضع فوقها كلمة ( رجل ) و أضحكني بشدّة فضول هذام ليرى أي صنف من الرجال هو فقبله في الوظيفة فلم يكن سوى معتوه بأفكار رجعية ولا يملك حتّى جسدا بعضلات وقتها فكّرت كثيراً بشأن معنى (الرجولة) عند أبناء بلدي, من أي ناحية يحكمون على الذّكر بأنه رجل؟.
يبدو أنني أطلت الحديث و لكن رواية ( في ديسمبر تنتهي كل الأحلام) تستحق أكثر من هذه الثرثرة.