بنُبوءَة مِنْ غَجريٍّ مَكتُوبة بالسنسكريتيّة راحتْ عائلةٌ تحملُ اسم رجُلينِ فقط تتوالدُ لـ يُربطَ أولُ ذكرٍ فيهَا إلى شجرَة كستاءٍ ويُأكل الأخيرُ بالنملِ. العُزلة المَريرَة هيَ الدافعُ لـ تاريخٍ يُشبهُ حبلاً دائرياً يُقطعُ حينَما يهترأُ. العُزلة بإغلاق الشبابيك وحبسِ النملِ الأحمرِ والعناكب والانفتاحِ فجأة ,بدهشةٍ فاغرةَ علَى العَالمِ, هُو سببٌ لـ استحواذِ ضُروبِ الجُنونِ على الإنسانِ.
تبدأ الروَاية بـ " بعد سنوات طويلةٍ وأمامَ فصيلةِ الإعدامِ سيتذكّرُ الكُولونيل أوريليانُو بوينديا ذلك المَساءَ البعيدَ الذّي أخذهُ فيه أبُوه للتعرّفُ على الجليدِ." يُلاحظُ هُنا مَدى عُزلة القريَة "ماكُندُو" عَن العالَم وكُأنّهُ يريدُ أن يحكي قصّة العالمِ! كما لو أنّ قبيلةً ما انبثقت فجأة أو اختلطت بلدةٌ يتيمَة من عَالمٍ آخر مَعنا!
الشخصيّات الكثيرة في الرواية تجعلُنا مُتخبّطين, فمثلاً هُنالك أكثر من عشرينَ أوريليانُو في الرواية نفسهَا معَ أن بعضهُم اقتصرَ دورُهُ على صفحاتٍ بسيطَة إلا أن هُنالك العَديد منهُم كُتبت فصُولٌ لأجلهم. ليسَ هُنالك من حلٍّ سوى قراءَة الروايَة أكثر من مرّة وهُو ما لا أحبّذهُ في مُعظم الأحيانِ لأنّ نكهَة الروايَة هُنا مثلاً تبلورت في نهايتهَا وكأنها تُجبركُ على أن تُصيح يا الله, أو وااو, أو حتّى قرص فخدتك لتتأكّد أنّك قُمت بقراءَة السُطور الأخيرة جيّداً.
الأسلُوب الذّي حملَ ماركيز العصا لأجله ومضى سائراً يشقُّ بها إياهُ, هُو ذاتهُ الذّي يتخذهُ دليلاُ دَوماً. السنون الطَويلة التّي لا تنتهي, دوّامة الزمنِ التّي تسيرُ تجاه اللامعلُوم إلى أنْ يلحظَ ماركيزُ نفسهُ أنّهُ أطال كثيراً في عُمرِ الشخصيّات لـ يبدأ في إذابتها الواحدة تُلوَ الأخرى. والتداخلُ الزمنيّ الذّي يجعلُ منْ كُلِّ رواياته وأقاصيصهِ أحجيةً لا تُحلُّ إلا بوُجُودِ البقيّة.
مراجعة كتبتها عام 2008