من قرا تلك الرواية سيشعر ان ماكوندو ليست مجرد قرية جاءت فى خيال كاتب او مجرد مكان شهد تعاقب لاسرة معينة امتد نسلها حتى الجيل الثالث او الرابع .. ماكوندو تقع فى داخل كل منا حيث الميل الى العزلة حين يشعر الفرد بانه لا يستطيع مجارة ماحوله وان يتأقلم وينسجم معه .. قرية ذات خصوصية معينة بعيدة كل البعد عن ما حولها تقبع فى عزلتها وحيدة ثم لا تلبث الا ان تصيب جميع من يسكن فيها بتلك العزلة فيبتعد وحيدا يعيش فى عالمه الخاص بعيدا عن كل شي .. من المؤكد انك حتى ولو كنت تعيش بعيدا عنها الا وانك ستشعر بانها جزء يقع فى داخلك
بعد قراءة بسيطة فى الادب اللاتينى استطيع ان اقول ان هذا الادب له سمة مميزة جدا الا وهو بناء نسيج اجتماعى كبير للغاية ومن خلال هذا النسيج يقوم الكاتب بطرح ما يرد ان يقوله من مواضيع .. صادفت ذلك فى الحب في زمن الكوليرا لنفس كاتب تلك الرواية وفى رواية بيت الارواح لايزابيل الليندي ، قد يكون النسيج العائلى هنا متشعب للغاية وهذا قد يصيب القاري بالتشتت او الضجر إلا ان ماركيز كان ذكي للغاية واستطاع ان يقدم من خلال كل شخصية جديدة او جيل جديد يظهر على ساحة الرواية شئ او احداث لا تقل عن ما سبقها .. دعك من العدد اللانهائي من الاوريليانو الذى تعاقب على احداث الرواية او حتى بعض العلاقات غريبة الاطوار التى تكونت بين شخصيات العمل .. لو نظرت فى جوهر الرواية وما تتضمنه من اراء وافكار ثورية مناهضة لكل ماهو يدعو للتمسك بالعادات والتقاليد القديمة التى لا نفع منها والتى تخدم مصالح اشخاص او طائفة معينة ستدرك ان هذا العمل مفعم بروح امريكا الجنوبية الثورية التى اخرجت لنا العديد من من ساهموا في تغيير الفكر الانسانى على مدار التاريخ ، كان ذلك من خلال معركة المحافظين والاحرار والتى رسمها ماركيز بكثير من الحرفية والبراعة .. كذلك ناقشت الوجه القبيح للرأسمالية وكيف انها لا تسعى الا وراء مصالحها الشخصية دون النظر الى ما يلحق بالاخرين من اضرار وكانت تلك القضية متمثلة فى قدوم شركة الموز الامريكية الى اراضى ماكوندو ومافعلته بعمالها .. هى ليست عمل اجتماعى الهدف منه هو عرض تعاقب وتكاثر عائلة بونيديا .. لا تلك الرواية استخدمت تلك العائلة من اجل طرح قضايا تهم البشر ومازالوا يعانوا منها الى الان سواء كانوا فى اماكن وازمنة قريبة او بعيدة من ماكوندو ..
من الصعب ان اناقش او اتحدث عن جميع الشخصيات التى جاءت فى الرواية والتى تجاوزت تقريبا السبعين شخصية .. لكن هناك العديد من الشخصيات التى تعلقت بهم للغاية اثناء قراتها أبرزهم أورسولا تلك المراة التى تجسدت فيها روح ماكوندو فاصبحت تحيي شاهدة تعاقب احفادها .. اعجبت للغاية بوقوفها الى جانب الحق حتى ولو كان على حساب ابناها او حفيدها وايضا تحملها لحماقات عائلتها التى لا تنتهى دون ضجر حتى لما اصابها العمي لم تتوقف على مد يد العون لعائلتها فكانت بمثابة شمعة تضي لهم حتى ولو كانت تعيش فى ظلام فقد البصر .. ثاني شخصية احببتها هى شخصية الكولونيل أوريليانو بونيديا الذي استطاع ان يثير اثنين وثلاثين حربا وان ينجو من احدي عشرة محاولة اغتيال وزرع سبع عشر ولد يحملون اسمه اوريليانو فى كل ارض شهدت معركة له ثم حين فقد او ادرك انه لا يمتلك الدافع الحقيقى الذى من اجله يستطيع ان يكمل حربه توقف وانعزل فى غرفته مع سمكاته الذهبية التى يجد المتعة فى صناعتها وصارت احد معالم لتاريخ تلك القرية .. ثالثا ريميديوس الجميلة التى لم تستمر طويلا فى تلك الرواية فجاء ظهورها بمثابة عبور لفراشة جميلة وقع الجميع فى حبها وكانت نهايتها تشبه الى حد كبير اختفاء الفراشات بين طيات السماء .. هؤلاء هم من وقعت فى حبهم فى تلك الرواية اما باقى الشخصيات فكنت فى غاية الاستمتاع وانا بصحبتهم وشعرت بحزن كبير حين ياتى موعد وفاة واختفاء احد منهم ..
اخيرا تلك الرواية من الروايات التى لا تقع فى ايدك كثيرا اعمال مثلها .. تحتاج للكثير من الصبر حتى تستطيع ان ترى جمالها ولكن اكثر ما تحتاجه ايضا هو العزلة .. لكى تشعر بعزلة ماكوندو واهلها يجب ان تحاول ان تنفصل عن واقعك لساعات قليلة وان تذهب بعقلك لتحيى معاهم فى تلك الارضى البعيدة :)