يبدو أن هذه الرواية ستشكل مفترق طرق في آراء القرّاء؛ وحتى داخل مكنونات القارىء نفسه -أو ربما هذا ما حصل معي أنا على الأقل- ففي الوقت الذي يسهب فيه الكاتب في وصف بعض المشاهد بين جدران السجن أو حتى سرد المونولوج الذاتي لدرجة تصل إلى الملل أحياناً؛ إلا أن الكاتب أبدع في وصف شخوص الرواية وإبراز مواصفاتهم الشخصية فضلاً عن الفيزيائية.
ولكنّ تبدّى لي أن الكاتب قد بالغ جدّاً في استرجاع الذكريات، فتراه مثلاً يسأل عن الشارع الذي يقع فيه بيته وعن مطعم الفلافل ودخان السيارات في حيّهم، وكأنه -أي الكاتب- مسجون لعشرين عاماً وليس بضعة شهور!! رغم أنني أقر أن السجن ولو لساعة واحدة له من المرارة ما لا تمحو طعمها السنون، وأن ساعة من الحرية ينهيها الموت خير من عقود من الحياة بين جدران السجون!
ومن الأمور التي تحسب على الكاتب العتوم في هذا المقام قصة الحب التي عاشها هو ولم نعشها نحن في الرواية، ولم نعلم كيف ومتى بدأت؛ لم نعلم سوى نهايتها الرتيبة الساذجة نوعاً ما؛ فكيف للحبيبة أن تنسى حبيبها وتتركه بكل بساطة فقط لأنه غاب عنها تسعة شهور فقط!! ....هل هو متأكّد أن هذا يمكن أن يُسمّى قصة حب؟!!
أرى أن الكاتب أبدع في إبراز بعض من صور الحبس المقيتة وأظهر لنا زوايا معتمة كثيرة من داخل السجون اللعينة، كما أنه سلّط الضوء -ولو بشكل غير مباشر- على بعض الممارسات التي تحدث من تحت الطاولة من قبل القائمين على السجون، وأظهر ما يعانيه السجناء من ويلات العذاب داخل أسوار السجن، رغم أن الكاتب نفسه لم يذق من مرارة هذه الويلات سوى النزر اليسير.
استخدام الكاتب للآيات القرآنية في مطلع كل "فصل" لم يرُق لي كثيراً فضلاً عن انتقاء الآيات نفسها. وربما فقد الكاتب بوصلته التي توجهه؛ فلا هو يساري يُعرف ولا "جهادي" يُعرف، ولا بعثي قومجي ولا حتى إسلاميٌّ!!
كل ما استطعت أن أصبغ الكاتب به هو التصوّف المفاجى!! فهو الطالب في كلية الهندسة التي كان ينشط فيها بشِعره خلال نشاطاته الطلّابية، وواحد من هذه النشاطات أدخله السجن؛ واستخدامه لأبيات من شعر الحلّاج والتأملات الطويلة والهيام في ترتيل الآيات القرآنية دون معناها والصبغة الصوفيّة التي حاول الكاتب إبرازها؛ كل هذا جعلني أصفه بالتصوّف المفاجىء.
الرواية تعجّ بالمصطلحات والكلمات العربية القويّة ولغتها الشعرية واضحة -وربما تكون هذه سلبية عند البعض- إلا أن الرواية تخلو فعليّاً من الأخطاء النحوية وتكاد تخلو حتى من الأخطاء المطبعية!!
رأي بتجرّد أسأل الله فيه التوفيق، متمنياً للكاتب تجربة أفضل له في الكتابة والحياة.