إذا أراد أحدٌ أن ينسى ذاته الحقيقية ويلتقي بذاتٍ أخرى خفية مفعمة بالقراءة الرائعة ويبتعد بها عن الواقع القميء... فليقرأ لجبران، وإذا أراد أن ينفرد بنفسه عن موكب الزمن المتسارع بعدما تتسع دوائر الرؤيا لديه وتنبسط له خفايا الأسرار... فليقرأ لجبران، كتاباته لا توصف بأقل من مدهشة، ما تلك العقلية الباهرة الساحرة المدهشة، يا ألله كم لهذا الرجل من جمال في الأسلوب ليس له حدود، كيف يكتب النص بذلك التناسق والتوافق الذي لا يختل، أسلوبه يجعل القارئ يتأمل في كل ما يكتبه بلمحة مُظهرة لكثير من ابتسامات الشفقة والحزن والألم واختلاطها ببعض من ابتسامات الفرحة والحب، أدخلني أسلوب جبران العظيم في مرحلة تفكيرية تأملية انشقت من أعماق قلبي، وأظهرت على شفاهي بعض الابتسامات التي لا أعرف إلى أي نوع تنتمي، ولو تركني العالم وشأني لتصاعدت روحي وحلقت أكثر مما حلقت من روعة ما أقرأه من كتابات جبران الساحرة.
كتاب عرائس المروج عبارة عن مجموعة قصصية تتكون من ثلاث قصص أبدع فيها جبران خليل جبران هي: (رماد الأجيال والنار الخالدة، مرتا البانية، يوحنا المجنون)، وتعتبر هذه القصص ثورة على الجهل والظلم والقمع وتعتبر ثورة أيضًا في الأسلوب واللغة والألفاظ، وقد حاول جبران أن يلعب على أكثر من وتر، ولكنه في النهاية نجح في أن يجذب انتباه القارئ لفكرته، ويجمع تلابيب أفكار القارئ ليضمها بين أحضان كتاباته الساحرة، كما أنه يغذي بأسلوبه الساحر روح القارئ بطريقة غير مألوفة تعطيه قدرة على التحليق إلى ما لا نهاية، وكذلك لا يخلو أي كتاب لجبران خليل جبران من لمحة فلسفية إنسانية أكثر من رائعة تجعل القارئ يفكر تفكيرًا عميقًا في كل سطر من الكتاب ويعجب بكل كلمة يكتبها وتصوير يصوره جبران، والتقييم للكتاب: 10 من 10.
اقتباسات من كتاب عرائس المروج:
• الحياة ليست حياة عندنا بل هي ظلمة تتسابق فيها الأرواح الشريرة، ووادٍ تدبُّ في جوانبه الثعابين المخيفة، ولا الأيام أيام عندنا بل هي أسياف سنينة يخفيها الليل بين لحف مضاجعنا ويشهرها الصباح فوق رؤوسنا عندما تقودنا محبة البقاء إلى الحقول.
• الشبيبة حلمٌ جميل تسترق من عذوبته معميات الكتب وتجعله يقظة قاسية، فهل يجيء يوم يجمع فيه الحكماء بين أحلام الشبيبة ولذة المعرفة مثلما يجمع العتاب بين القلوب المتنافرة؟ هل يجيء يوم تصبح فيه الطبيعة معلمة ابن آدم والإنسانية كتابه والحياة مدرسته؟ هل يجيء ذلك اليوم؟ لا ندري. ولكننا نشعر بسيرنا الحثيث نحو الارتقاء الروحي، وذلك الارتقاء هو إدراك جمال الكائنات بواسطة عواطف نفوسنا، واستدرار السعادة بمحبتنا ذلك الجمال.
• إن أدران الجسد لا تلامس النفس النقية، والثلوج المتراكمة لا تميت البذور الحية، وما هذه الحياة سوى بيدر أحزان تدرس عليه أغمار النفوس قبل أن تعطي غلتها، ولكن ويل للسنابل المتروكة خارج البيدر، لأن نمل الأرض يحملها وطيور السماء تلتقطها، فلا تدخل أهراء رب الحقل.
• خير للإنسان أن يكون مظلومًا من أن يكون ظالمًا، وأخلق به أن يكون شهيدًا ضَعِف الغريزة الترابية من أن يكون قويًا ساحقًا بمقابضه زهور الحياة مشوِّهًا بميوله محاسن العواطف. النفس يا "مرتا" هي حلقة ذهبية مفروطة من سلسلة الألوهية؛ فقد تصهر النار الحامية هذه الحلقة وتغير صورتها وتمحو جمال استدارتها، لكنها لا تحيل ذهبها إلى مادة أخرى بل تزيده لمعانًا، ولكن ويل للهشيم إذ تأتي النار وتلتهمه وتجعله رمادًا ثم تهب الرياح وتذريه على وجه الصحراء.