اقتباسات نهلة عبد السلام

في عُزلتي، تكشَّفت لي قيمة التواصُل، كغريزة منوط بها الحفاظ على سلامة العقل، الحواس تصدأ بنُدرة الاستعمال، ربما لذلك بِتُّ أتضرَّر من أيِّ صوت، بينما الآخَرون لا يُعِيرون اهتمامًا لِما يدور في خلفية رأسي، الذي يغلي كَمِرْجَلٍ، عند نقطة الانفجار؛ ما من أحد يسْلَم من شظاياي.

لوَّحت بالكارت الأحمر؛ كي أنقذ نفسي من براثنهم، فإذا بهم يرتدون على أعقابهم، يتنصلون من أقوالهم، ويقذفون بعضهم ببعض،

عمَدت إلى تحديث بياناتها، محَت أحرُفًا طالما أهلكتها قيل وقال، وقد استبدلت بها صُرَّات الرماد.

من يُخبر صغيري أن الحاجز الحديديَّ يوقفني.. الضوء الأحمر يرهبني، والسرينة تسارع من دقات قلبي، تردُّني إليه وقد صار وحده أماني.

فغاية القسوة الحضور الباهت، فالتواجد بلا مشاعر كالطعام بلا توابل

في الغابة كان النسيج الأخير، كل متاح للبيع، الحطاب راضٍ، والأشجار سأمت الحاسة الواحدة، والمشهد الثابت، أعياها الوقوف وأضناها الانتظار، وحين انفكَّ الوثاق وظنن أنه الخلاص، ومع استعادتهن بعضًا من حواسهن، لم يتسنَّ لهن سوى سماع صوت المنشار، والاختناق بدخان الحرائق، تشكَّلن مقاعدَ باردةً، فقط ثلة صِرن إلى حطب، ووحدهن من عِشن الوهج، تذوَّقن الدفء قبْل انقطاع آخِر خيوطهن بالحياة.

‫ لحظة عَلِم بحَمْلها؛ سقط قناع الحَمَل، رفَضت إجهاض جنينها، في همجية لم تكن لتتوقعها، ضرَبها حتى فقدت وعيها، أيام وعاد يتطاير الشرر من عينَيه، هدد وتوعد من محاولة نسْب طفلها إليه، انقضت خمس سنوات لم يسقط عنه القناع.. وربما لن يسقط أبدًا.

‫ ثمة ما جذَب ابنتها إلى الرجُل خلْف الشاشة.. سألت في براءة.. «مين دهْ يا ماما؟»، أجابتها في نبرة لم تُخفِ حسرتها وندمها.. «دا التَّعلَب».

«الست تتمسكن وتطلع على كتافك، ولما تتمكن تختم على دماغك»،

‫ بصبر تكبَّدت عِبء حمْله مع كرسيه في المواصلات، لم يكن أثقل من نظرات ومصمصات تُشيِّعُها صعودًا وهبوطًا، سنوات عجاف استنزفت ما بقي من إرثها، ورغم ما يزعمه الناس ويؤكده الأطباء من عدم جدوى سعيها، لم يتزحزح يقينها عن وقوع معجزة، ليس لأنها تستحق؛ بل لأنه أكرم بكثير من أن يتخلَّى عنها كالجميع.

ألمح في عينيك فرحًا طالما انتظرته، وتزكم أنفي رائحة اشتياق تستميت في إخفائه، خانتك موهبتك في «المونتاج»، لأول مرة تنضب أفكارك، تفشل في إحكام أكاذيبك، وصلنا المحطة الأخيرة.. ولا مفر من المواجهة.

غدرات الزمن لا تتعامل بالشوكة والسكين، بل تعمَد وكقاطع طريق إلى استخدام المطواة،

«أتشرَّب صوتك كي أجترَّه في أيام جفافي»..

‫ وبينما يدها تفرُك تَلَّ الصحون المكدَّس أمامها، تدندن بأغنية محرم فؤاد، والتي أدارها سائق الميكروباص في مشوار الخدمة الأول.. «لو كان الأمر أمري لو كان في شيء بيدي، كنت أقدر اشتريلك جزيرة ويخت فضي، كنت احلَم قد حلمك وأقول شبيك لأمرك، وأفرش في السكة عمري واجيب م البدر شمسك»، يمُر بخيالها طيف أولادها، ويتراءى لها غد ربما يمنحهم بخوتًا على النقيض منها.

«اللمة الكذابة تنفض في ساعة»..

غدرات الزمن لا تتعامل بالشوكة والسكين، بل تعمَد وكقاطع طريق إلى استخدام المطواة،

في عُزلتي، تكشَّفت لي قيمة التواصُل، كغريزة منوط بها الحفاظ على سلامة العقل، الحواس تصدأ بنُدرة الاستعمال، ربما لذلك بِتُّ أتضرَّر من أيِّ صوت، بينما الآخَرون لا يُعِيرون اهتمامًا لِما يدور في خلفية رأسي، الذي يغلي كَمِرْجَلٍ، عند نقطة الانفجار؛ ما من أحد يسْلَم من شظاياي.

لم أصمد أمام قصص ثنائياتٍ قفزت إلى حيِّز الجدية، أخبار المِنَح، السفر، الترقِّي، القرارات الشجاعة بالخروج عن المألوف، هجران المهنة إلى أخرى تُدِرُّ مالًا وشُهرة، خطوات تصفعني بحقيقة شَلَلي، «محلَّك سِر»، التي تؤجِّج مكامن الغَيرة والحقد والبؤس أيضًا.

مَن يتعذَّبن بالفراغ، يَحيَين بلا حكاية.. بلا أحداث تتصاعد، ولو إلى الأسوَأ.

باتَ يلازمني شعور بالخجل، هل صِرتُ مهمَلة.. متروكة.. وحيدة إلى هذا الحد؟ تتساقط الحبَّات من عقد عمري بلا مهاتَفة واحدة، أختنق بالكلمات المحشورة في حلْقي، أتقيَّؤها غضبًا لتَوَافِه الأمور، أصرخ كي أُبرهِن للعالَم أن لديَّ أبجديةً، لم يحالِفْنِي الحظ بتجربتها إلَّا حين العِرَاك،