اقتباسات جلال الصلاحي

فكّرت وأنا أنتظر اقلاع الطائرة إلى صنعاء بما جرى لي في رحلتي الشاقة التي أمضيتها طوال هذه الأشهر منذ أن غادرت اليمن. لقد كانت مؤلمة، لكنّها محاولة أولى للخروج، محاولة للهرب، للهرب من كلّ شيء، للهرب من الحدود والحياة الصعبة، محاولة للحياة.

عدت إلى الغابة أبحث عن خشب، ووجدت قطعة خبز وضعها أحدهم فوق الأخشاب، أخذتها وأحضرت اللحاف من الهنجر. ثم عدت وأشعلت النار وتقرصت بجوارها. جاء بعض المارة يلتمسون الدفء. سخنت

كان معظم المهربين من أكراد العراق. بينهم مهرب سوداني واحد يُدعى “شَدُّو”. أخبرنا أن المهربين يتقاضون سبعمائة يورو مقابل كل شخص، ثم بدأ في سرد ما يشبه فيلماً سينمائياً عن عملية التهريب، بأسلوب جعلنا نعيش تفاصيل هذا العرض وكأننا نشهد أهوال تلك المشاهد المخيفة والمرعبة بأنفسنا

استفقنا من ذهولنا على صوت أحد الإخوة الصوماليين، قادمًا من باب المبنى وهو يقول بابتسامة دافئة: “أهلاً، أهلاً باليمن!”، كانت الابتسامة تُضيء وجهه الذي بدت عليه آثار جروح غائرة، وزينته لحية غير مرتبة، لكن الفرحة التي غمرته بوصولنا كانت واضحة.

حلّ علينا شهر رمضان ونحن في الكمب، وقرّرنا الاعتماد على أنفسنا في الطهي، كون الطعام الذي يُصرف لنا لا يناسبنا كيمنيين، بالإضافة إلى أنه يُصرف مرة واحدة في الصباح الباكر.

النساء الشقراوات تحت الشمس مثل شلال من ذهب على طول النهر. تركنا أبصارنا تمر على تلك الأجساد، نتمعن في هذه اللوحة الجميلة ونحن في حالة من الدهشة والسكون،

هبطت الطائرة بنا في فرانكفورت، وكنا نسرع في خطواتنا لنكون في مقدمة الركاب، خوفًا من الأسئلة والاستفسارات التي قد تنهي حلمنا على عتبة فرانكفورت.

لم أنم تلك الليلة إلا قليلاً، بين فرحة عارمة وخوف من المجهول.

شعرتُ براحةٍ نسبية، فثمن الشاي كان في متناول يدي

وكم كنت أتمنى لو كانت لغتي قوية لأروي لها حقيقة ما نحن فيه، ليعرف العابرون والزوار حال اليمن واليمنيين.

لحظاتٍ تأخّرَ فيها إفراز هرمون الهروب المعتاد عند الشعور بالخوف، ثم تمالكت نفسي وأسرعت خطاي، متجهاً نحو الرصيف المقابل لأتنفس الصعداء بعيداً عن هذا المعتوه