من شارع بن يهودا على لسان الجد غالب:
حدثه عقله وقد تجاوز اللُجم المعقودة على فصي مخه بفعل الأفيون المحبب بأن الرحلة كانت عبثًا أفضى إلى عبثٍ. يتوهج ساخرًا من نفسه وهو يراقب فأرًا مذعورًا عاد إلى جحره بسرعة، عندما لمح الكبير المهزوم في صولجانه. طمأن الكبير الفأر هاتفًا: عد أيها الجرذ المسكين فأنا لم أعد أخيف. يسأل نفسه: ما الذي تغير فينا؟ كنا سلطنة ثم مملكة ثم جمهورية، ما الذي تغير فينا؟ علَّقنا صور السلاطين والملوك في بيوتنا، علقنا صور ملوك الجمهوريات ببزاتهم العسكرية على حوائطنا التي تنز فقرًا وهوانًا، رددنا حتى سُعالهم، حاربنا حروبهم. ما الذي تغير فينا؟ أسبغنا الدعاء على المنابر لهم. نمنا على عتبات مجلس ثورتهم، ومجلس أمتهم، واتحادهم الاشتراكي، ومنظمة شبابهم، وأزهرهم، وكنيستهم. ما الذي تغير فينا؟ يصح الآن وقد أصبح الأفيون أصدق ما فينا أن نوجه السؤال بطريقة عكسية: وماذا عنا؟ هل تغيرنا؟ هل أصبحنا على مقاس أحلامنا؟ كإقرار واجب بالانسحاق نستحلف الحلم ألا يأتي، إن أتى سيغادرنا، ويتركنا لأوهامنا، وأفيوننا المحبب، فعلى قدر الأوهام تأتي النكسات، وتكملة للإقرار في حضرة الأفيون؛ نحن مدمنون.
قد يكون الذي تغير أن مصر انكسرت، أن عز العرب مات، أن حسن ماتت كرامته في سجن عتليت للأسرى، وقبله على رمال سيناء. الذي تغير أن أمينة تقطعت شرايين كبدها، ولم تمنحها الأقدار موتًا رحيمًا يُلحقها بمن تحب. الذي تغير أنني سأمضغ مزيدًا من الأفيون. سأبكي كثيرًا كلما قرأ عبد الباسط عبد الصمد أو الحصري القرآن في الثامنة مساءً. سأشارك في المزيد من مؤتمرات التأييد والشحن لأي زعيم مُلهم. سأعلق المزيد من الصور على حائط مبكاي. سأكذب على نفسي أكثر مما كذبت طوال عمري. سأبتلع المزيد من المعسل الفاسد، سأصلي كثيرًا، وقد لا يقبل الرب صلاتي. ماذا الآن يا غالب؟ ليس بوسعك أيضًا أن تطلب موتًا رحيمًا يليق بطاغية مهزوم ضيع ابنه مثلك.
المؤلفون > أيمن السميري > اقتباسات أيمن السميري
اقتباسات أيمن السميري
اقتباسات ومقتطفات من مؤلفات أيمن السميري .استمتع بقراءتها أو أضف اقتباساتك المفضّلة.
اقتباسات
-
مشاركة من Ayman Youssef ، من كتاب
شارع بن يهودا
السابق | 5 | التالي |