اقتباسات أيمن السميري

وصلت مبكرًا إلى الواجهة البحرية لنيوجيرسي المطلة على نهر هدسون في مكان قريب من حديقة ليبيرتي، منتظرًا زميلي في البنك ذا الأصول اليابانية أونو تاكادا، الذي يصطحبني معه كل صباح إلى البنك، شريطة مشاركته مناصفةً في قيمة البنزين الذي تستهلكه السيارة لهذه المسافة، ورسوم المرور إلى بوابات منهاتن.

في ميت كردون كما في كل الريف المصري أنت بلا هوية، بلا خصوصيات، أنت ملك للقطيع، وإلا وُصمت، ونُبذت، وطُردت من رحمة ذلك المجتمع القبلي المتوحد خلف أوهامه المحافظة تزوي أطياف وعفاريت ميت كردون محمولة بدوامة ريح أطلنطية بين شواهد وأشجار

تمتلك ميت كردون سطوة لا تماثلها سطوة، وجبروتًا كوشم باللعنة تمتلك ذاكرة خاصة بها، حيث يصنع الناس تاريخهم على أعينهم بدأب كالنمل، يتوارثون الحوادث، والحكايات، وكذا الفضائح، يتوارثونها كأملاكهم، وقراريطهم الحزينة يلوكون الحكايات نفسها جيلًا بعد جيل، ينثرون على حكيهم جبل من الأكاذيب...

سبب رخص الحجرة الملحقة ببيتها من الخارج أنها تقريبًا تتداخل مع المقابر المجاورة، المعروفة بمقابر هارسيماس التاريخية Harsimus Cemetery، وإن الكثيرين يرفضون استئجارها من باب التشاؤم لا أكثر

طلبت منه أن يصطحبني معه إلى مانهاتن لأقدم الشكر للمستشار الدبلوماسي سكاكيني كما أسماه، فوافق وانطلق عابرًا نفق لينكولن ‫ أسفل المبنى المطل على النهر الشرقي أوقف السيارة، صعدنا إلى الدور الثالث واجتزنا بوابة الأمن، مررنا من صالة طولية بها حجرات كثيرة.

مدينة «اللا أحد». نيويورك لا تريدك إلا كادحًا في دولابها المتوقِّد، تعصر من قاع عقلك ومن بأس جهدك كي تصبح رقمًا على قاعدة بيانات بورصتها، ومتحصِّلات ضرائبها. نيويورك تريدك منكشفًا مثلها، متجاوزًا الوضوح إلى التعري.

لفَّت أمي فطيرة كبيرة وأصرت أن يأخذها جورج وهو يدير محرك سيارته اتفقنا أن نلتقي في اليوم التالي على مقهى بالمنصورة، ثم نسافر معًا إلى القاهرة خلال أيام لاستكمال الأوراق ‫ كان حسن غالب يجلس مطرقًا محدقًا إلى خطوط خطَّها بعصاته في التراب.

توأمي الذي رحل بين ذراعيَّ برصاصة ضالة في أثناء الحرب اللبنانية، كنا عائدين من مدرستنا كفر رمان في زمن الصراع الذي لا ينتهي عندما لحقتك بسيارتي كي أمنحك الوظيفة في جميعي كنت ألحق بريمون الذي عثرتُ عليه فيك، اعتبرتك بيني وبين نفسي أخي الذي فقدته.

لم أحسب يومًا أن للشر أورجازم، وذروة يعشقها الساديون، وهم يمعنون في ما يعتقدون أنه انتقام يعاقبني رامي الجلاد بكل هذا التوحش وهتك الإنسانية، لمجرد أنني أحببت أخته حبًّا يليق بها ‫ نجح المحامي الذي أحضره جورج في الحصول موافقة بنقلي.

تحترمه كرَاوِية محترف يسرد الكثير من الحقائق الكبرى الملفوفة بالقليل من الأكاذيب الصغرى، ووجهات النظر الملغومة أما إن كنت تسألني كمواطن طبيعي من شعب افتتاحية الأهرام «بصراحة» كأبيك حسن غالب الناصري المتعصِّب، فهيكل جذاب في عرضه، ويُرضي ذائقة الناصريين، وللأمانة والتاريخ هو صادق في أغلب رواياته.

لطالما تمنى غالب في أخريات أيامه أن يردوا إليه عز العرب كي يصبح متحققًا، عندما ينال رقادًا أخيرًا في طين أرضنا يعلم كأجداده، وأسلافه، وفراعينه أن من يواريه تراب مصر يكتسب حضورًا وتحققًا يتجاوزان الحياة، يتجاوزان الغياب ذاته، فنحن نعيش على قيد جنازة منتظرة

اجتازت الطائرة التخوم الخضراء، ثم حلقت بعد وقت فوق امتداد الصحراء الممتدة حتى تماسَّت مع السماء في البعيد بدت تباشير ذلك الخط الأخضر المتعرج تتراءى لعيني، إنه النيل الذي تشبَّثنا به منذ آلاف السنين وأصبح كل ما عداه غربة، وكل ما تباعد عنه منفى.

كان السائق يعتمر الطاقية اليهودية المعروفة بالكيباه في منتصف رأسه بقي مرافقي أرييل إليان صامتًا، ربما لضعف قدرته على التحدث بالإنجليزية وإدارة حوار كامل، لكنه بين الحين والحين كان يمنحني ابتسامة مجاملة ‫ توقف التاكسي بمكان ما في شارع بن يهودا .

تأشيرة دخول إسرائيل التي كانت عبارة عن شعار دولة إسرائيل الشمعدان السباعي اليهودي «المينوراه» محاط بغصن الزيتون ختم الجواز بخاتم «سفر» ثم ألقاه بعصبية على الطاولة وهو يشيح بوجهه بعيدًا تملَّكني التعجب من كون هذا الضابط الغاضب لسفري إلى دولة إسرائيل.

الملك غازي هذا في حادث سيارة غامض عام 1939 قيل إنه مُدبَّر من بريطانيا بسبب تعاطفه مع هتلر والنازية تحول تاريخ العراق بعد ذلك إلى سلسلة من الانقلابات العسكرية المتتالية التي تلتحف بتيار «القومية العربية»، سواء في طبعتها الناصرية، أو في الطبعة البعثية.

الجلوة ميراث عشائري كان يطبق في البادية عندما كانت العشائر رُحَّلًا غير مستقرين، لكن العشائر الآن أصبحت مدنًا، وبيوتًا، ومدارس، وممتلكات، ومع ذلك ما زالت الجلوة ميراثًا، وسيفًا مسلطًا بحكم العرف، والتقاليد، تقف الشرطة والقضاء عاجزين أمامها إنها شيء يشبه الثأر عندكم في صعيد مصر.

من المهم جدًّا في العالم العربي أن تكون لديك فلسطين لتضعها كدبوس زينة على جيب دشداشتك، وميكروفون إذاعتك.

جميعي بتاعك دا المتبرع والداعم الأكبر للحزب اللي بيقولوا عليه «وطني» وكمان «ديمقراطي»، وكله بتمنه ما علينا المهم بس يقدَّروك، ويقدروا إخلاصك، وجهدك لعملك أنا عمري ما دفعتك إنك تمشي في نفس الطريق اللي أنا مشيته، بالعكس. لأنك ابني، وحتة مني،هاقولك بكل ضمير؛ امشي بعيد عن طريق المثالية والنضال.

لم تمنعنا الندبة السوداء بجبهة المرتشي ماهر العدوي من السقوط لم تمنعني مثالياتي، وكتب عمي عز العرب، ونضال أبي من غواية شعير لي بالسقوط ربما أنا شرير مثلهم، شرير ضعيف، عديم الحيلة، شرُّه مؤجل إلى حين ‫ المدن ليست متوحشة لأنها مدن، المدن متوحشة لأننا نسكنها.

تصغر مُحبات أختها الوحيدة غالية بعشر سنوات أو أكثر قليلًا أكملت تعليمها حتى تخرجت في كلية التربية، قسم اللغة الإنجليزية، في حين توقفت أمي عند الشهادة الإعدادية، ولم تكمل بمدرسة النسيج والتطريز المتوسطة بميت غمر ليس لدى مُحبات أولاد، رغم محاولات كثيرة.