اقتباسات محمد الباز

من بين الألقاب التي تظلل سيرة السيدة مريم العذراء في مصر «سلطانة الأرض والسماء» ‫ لا يعرف من بين من يرددون هذا اللقب ما يختبئ في طياته من دلالات وإشارات، إلا من اختبر علاقة المصريين بربهم.

لن أحدثكم عن أداء رجال الدين في الديانات جميعها، فهو سبب مباشر في دفع الشباب دفعًا للابتعاد عن ساحة الدين، يحتجون بهم وبما يقولونه فسلوك رجال الدين دفع الكثيرين إلى الخروج عن الدين إلى غير رجعة.

مريم القرآنية توقفت آلامها بعد أن ولدت ابنها دون أب، متحملة ما قاله المجتمع عنها ‫ سارت معه في رحلته التي ظللتها السماء، عانت معه وهو يتجاوز المصاعب، لكنها وطبقًا لرواية القرآن لم تتعذب بصلبه، بل رأته وهو يصعد إلى السماء.

«ذَلِكَ عيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ».

‫ انحاز القرآن بشكل كامل لرواية الإنجيل عن مريم عليها السلام، فهي لن تضر العقيدة في شئ.

«قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آَتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا، وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ ‎وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا، وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا، وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا».

‫ هنا يتوقف عيسى عليه السلام عن الكلام.

«فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا، فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا، فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا».

‫ هل يمكن أن نتصور قوة الجهاز العصبي لهذه السيدة؟

«وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا، فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا، قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا، قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا» ‫

قانون «من أين لك هذا؟» ‫ ينفق العالم مليارات كل عام لمواجهة الفساد ‫ وتضيع على الناس مليارات أيضًا بسبب منظومات الفساد التي لا يتردد أصحابها عن تثبيت أقدامهم في الأرض ‫ الفاسدون في المنظومات الحكومية كثيرون جدًّا، وأعتقد أن «قانون مريم »إذا جاز لنا هذا التعبير يمكن أن يكون حلاً.

اسمعوا معي إلى هذه الآية ‫ «وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ» ‫ هذا الجزء من الآية كفيل بأن ينهي الفساد في العالم.

«فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ»؟

‫ أم أعجبني أكثر أن يتقبل الله الهدية شاكرًا صاحبتها وراضيًا بعطائها

لقد تفلَّت القرآن من بين يدي، لكن صداه لا يزال متمكنًا من قلبي، ولا أعرف تفسيرًا مناسبًا يجيبني لماذا لم تتفلت سورة آل عمران بوقائعها وحكاياتها وقصصها من بين أصابعي ‫ كان يمكنني أن أركن إلى حالة السيدة مريم في سورة آل عمران.

لقد حفظت القرآن كاملًا على حصيرة في كتاب الشيخ عبد الجواد غلوش ‫ بدأت الحفظ من أول سورة البقرة، وليس على الطريقة العادية التي يبدأ الحفظ فيها من قصار السور، طلب مني أن «أصح»، والكلمة تعني أن أبدأ في القراءة حتى يقوم هو بالتصحيح.

قبل أن أغلق حكاية ميشيل دوس مع مريم المسلمة، من حقك أن تسألني لماذا جعلت منه جملة اعتراضية في حديثي عن مريم المصرية؟ ‫ سأقول لك إنه لم يكن قطُّ جملة اعتراضية، بل هو أساس يمكننا أن نبني عليه لما هو قادم.

‫ لا يخرج ميشيل دوس من دراسته عن مريم المسلمة بأن النص القرآني يقر بجمال السيدة العذراء وقوتها وأصالتها وعظمتها الاستثنائية، فهذا أمر واضح للجميع، لا يمكن لأحد أن ينكره أو يجحده، ولكن هناك ما هو أكثر ‫ لقد وضعت الدراسة...

هل نقول إن بركة العذراء تجلت في هذا الموقف فأنقذت المسلمين؟ ‫ أعتقد أن هذا ما حدث تمامًا، بل يمكنني أن أقول إن هذا يمكن اعتباره أول تجلٍّ حقيقي للسيدة العذراء، عمدت إليه لأنها أدركت أن هناك من يحتاج إليها.

«وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا، فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا، قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا، قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا، قَالَتْ أَنَّى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر ولم أك بغيا

‫ «إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ، فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا من الشيطان الرجيم»

كما أن سرها المذكور في القرآن لا يقل مركزية عن حالة التمركز التي حصدتها في الأناجيل، فعنها تدور الأحداث وبها تبدأ عجلة الزمن المسيحي في الدوران ‫ دراسة ميشيل دوس بها بعض الإشارات الخاصة ‫ منها مثلًا أن اسم السيدة مريم مذكور في القرآن أكثر مما هو مذكور في الأناجيل بأجمعها.

الرقم قد يكون مهمًا هنا.

كنت وعدتكم أن أتحدث عن مريم المصرية فقط، بصرف النظر عما فيها من مكون مسيحي أو مكون مسلم، لكن ولأن للسيدة العذراء خصوصية كبيرة في الإسلام؛ فلا يمكن أن يصح الحديث عنها إلا بالمرور على «مريم المسلمة»، لا أرى في ذلك تجاوزاً.

هناك من يرفع السيدة مريم فوق الأنبياء جميعًا، وهو ما يبرر لديهم انفرادها باستمرار معجزتها بعد وفاتها، لكن تظل هذه وجهة نظر لا يمكننا أن ننكرها… لكن لا يمكن لأحد أن يجبرنا على تصديقها على إطلاقها.