بعدما قرأت "سالينا: المنافي الثلاثة"، وقرأت قبلها "شمس آل سكورتا"، تملكني يقين أن اسم "لوران غوديه" سيصبح في مدار اهتماماتي، وواحد من الكتاب الذي تصبح أعماله على قائمتي، حيث كانت هذه الرواية بمثابة تأكيداً على جودة "شمس آل سكورتا" برغم تمايز الحكايتين تماماً، تمايز مثل الشرق والغرب.
ففي هذه الرواية، نعيش أجواء ساحرة، منذ البدء تعرف أنك على موعد مع رواية صعب أن تتكهن بأحداثها، تبدأ بفارس يحمل طفلة صغيرة، ويتركها عند مدخل قرية، دون كلمة، دون رسالة، دون أي شيء يُبرر فعلته، لنعيش مع "سالينا" حياة تُشبه الأسطورة، يتخللها الحب والموت والكثير من الدماء، فراق وتيه، منافي ثلاثة، وغدر وخيانة، وصراع أخوين لن تظن أنك ستحتاجه، ولكن عندما تقرأه ويتجسد خياله أمامك، لن تتخيل هذه الرواية دونه، هناك صراعات خارجية تُذكر عرضاً فقط من أجل رسم الأجواء الكاملة لهذه الحكاية، لا نهتم هنا إلا بحكاية البشر، لا نهتم هنا إلا بحكاية "سالينا".
منذ الفصول الأولى نعرف أن "سالينا" قد ماتت، وقرر ابنها أن يخوض مغامرة ساحرة كحياتها، فيذهب إلى تلك الجزيرة التي لا تقبل أن يُدفن فيها أي أحد، لا بد أن يسرد حياته، ووحدها تقرر هل تصبح الجزيرة مقبرته أم لا؟ ومع سرد الحياة، وكلما تتوقع أنك قد وصلت إلى الذروة، تكتشف أن بعد الذروة ذروة، وأن هذه حياة ساحرة وحزينة في آن واحد، فلا تعرف هل تستمتع بسحرها؟ أم تبكي لحزنها؟ ذلك السحر الممزوج بالحزن، هو أجمل ما يُميز هذه الرواية.
ختاماً..
للمرة الثانية، يسحرني "لوران غوديه" بحكاياته المُذهلة، استطاع بسلاسة وهدوء أن يحكي حكاية تصل الأسطورة بالواقع، فلا تكاد تستطيع أن تُفرق بينهما، ولا تجد إلا التعاطف مُسكناً لحياة سالينا المليئة بالمآسي، التي ظلت تعيش حياتها حتى بعد مماتها.