لن تنبت بذرة زُرعت في أرض فاسدة إلا نبتًا معُوجًا شاذًا.
لم أحاول كتابة مراجعة فورًا عقب الانتهاء من قراءة الرواية لسببين:
أولهما: أن المراجعة السريعة المختصرة تستحي ولا تليق بروايات أستاذ هشام عيد، فالمراجعة يجب أن تستلهم قوتها من قوة العمل.
ثانيهما: ما شعرت به من فظاعة وألم طوال القراءة. فظاعة التاريخ والحاضر والخيال.
في أجواء القرية التي هي الأصل والبداية؛ دارت أحداث الرواية واُستلهم التاريخ، لا تمنع قراءة التاريخ من تجنب فظاظته ولا تكرار وحشيته بل ربما تكون ملهمًا للمفسد الذي مهما بلغت معرفته يحتفظ بما تربى عليه وبما جُبل عليه الإنسان من حب السلطة والمال.
من خلال سطور الرواية تعترف النبتة المعوجة (ابن فايق) -أمام من نكتشف في النهاية أنه خصيمه وجلاده- بما كان من أحواله وأحوال أبيه وأمه، أهل القرية والخُط ونجع النابلسي، مُدرس اللغة ومُدرس التاريخ وفخري وزملاء (ابن فايق) في المدرسة ومُدرسة الاقتصاد، سرد أحوال الجاني والمجني عليهم والمشاهدين.
هل اعترف بما اقترفت يداه أم لخص التاريخ؟
كل شخص وكل حادثة في الرواية رأيتها رمز للحقيقة في جانبها المظلم. لقد رأيت رؤساء مصر وأحوال شعبها، ورأيت كيف بدأ الكيان وتوحش. كيف كنا أعداءه وأصبحنا أتباعه. رأيت الشعب الساكن، ورأيت الورد والأمل الذي انتُزع حقه في الحياة، فكمار لن يحيا بالأمل، ولن يُسمح له بالحياة.
منذ وقت طويل لم أقرأ عمل لغته قوية بهذا الشكل وهو أكثر ما يميز كتابات هشام عيد. ولذلك كانت القراءة على أبجد مفيدة جداً بالنسبة لي لإني استخدمت المعجم للتحقق من معنى أكثر من كلمة.
رواية مميزة، ودائما العمل المميز يحتاج قراءة وقاريء يدرك تميزه. فهذه الرواية ليست مجرد قصة تُروى، بل عمل وضع فيه الكاتب رؤيته وآلامه وأفكاره تجاه العالم والتاريخ.