بيت خالتي > مراجعات رواية بيت خالتي > مراجعة ماجد رمضان

بيت خالتي - أحمد خيري العمري
تحميل الكتاب

بيت خالتي

تأليف (تأليف) 4.7
تحميل الكتاب
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
4

بيت خالتي.. أكثر من مجرد رواية

صدمة العنوان

عنوان الرواية هو العتبة الأولى ودليل القارئ إلى النص، وله أهمية كبيرة في تشكيل الخطاب الروائي، خاصة أنه يشكل الرسالة التي يسعى المؤلف لنقلها إلى القارئ، ومن ثم فلابد أن تتوافر فيه شحنات دلالية مكثفة، تجعله قادرا على حمل الرسائل الكامنة في النص.

" وبيت خالتي" عنوان يوحي الانطباع الأول به، أنها رواية اجتماعية، ولكن باستمرار القراءة تبدوا الصورة في الإيضاح، وتزال الغشاوة عن العنوان الغامض.

تلقف الكاتب العراقي أحمد خيري العمري هذا المصطلح وأراد أن يروي في كتاب قصة واحدة من أكبر المآسي الإنسانية في العصر الحالي عبر روايته "بيت خالتي"

لم تكن كلمات "السجن أو المعتقل" مستخدمة بين السوريين عموماً، فقد أبدلوها تجنباً لذكرها أمام "الحيطان التي لها آذان"، وتتبع المخابرات لهمساتهم بـ مصطلح "بيت الخالة"، فحينما يعتقل أحد الأشخاص يقال ذهب إلى بيت خالته أو " ليكو ببيت خالتو"، وصار الأمر شائعاً جداً، ومحل تندر أحياناً.

لعل "بيت الخالة" مكان لا يُشك به، يزوره الناس عادة بكثرة، باعتبار أن أقرب ما يكون للأم أختها، وأقرب الأصدقاء يكونون أبناء الخالة، في سوريا بدا الموضوع مختلفاً، فحينما أراد السوريون أن يخفوا علاقة أحدهم بـ "الجحيم أو مقصلة الموت أو ما وراء الشمس" أطلقوا عليه "بيت خالتي".

تأتي الرواية بلسان الراوي الطبيب يزن الغانم الذي يتخصص بالطب النفسي والتي تتصف شخصيته بالرمادية، في مقابل ابن خالته "أنس خزنجي" الثورجي الذي يعمل على توثيق شهادات الناجين من المعتقل عبر فيلم وثائقي.

- يعثر يزن على ابن خالته أنس منتحراً بشقته في برلين بألمانيا بذكرى انطلاق الثورة السورية، فيقرر أن يبحث في أسباب انتحار قريبه الوحيد في ألمانيا، خصوصاً أن تخصصه يدفعه لاكتشاف سبب يدفع بشخص أن يقدم على الانتحار.

- يتعرف يزن على "نور نجار" الثورجية والتي كانت تساعد أنس على إنجاز فيلمه عن المعتقلين، فيعجب بها وبشخصيتها على الرغم من كل الاختلاف في الرأي بين الجانبين، ليقع أخيراً في حبها.

- يمثل أنس حالة كثير من الشباب السوري الذي رهن حياته لأجل الثورة، متمسكاً بمبادئها إلى آخر لحظة، كقضية تحرر وعدالة، لا معارضة سياسية، ويعمل على أي شيء ليفيد السوريين وثورتهم مثل قضية المعتقلين وتسليط الضوء عليها ونقلها للعالم، إلا أن الكم الهائل من العذاب النفسي الذي رافق قضيتهم وما تعرضوا له من انكسارات وتعذيب وانتهاك حطمه من الداخل وكسره وهز إيمانه وولد لديه أسئلة لم يجد لها أجوبة.

- بينما يمثل يزن جزءاً كبيراً أيضاً من السوريين الذين وجدوا أنفسهم أمام ثورة هم بغنى عنها، فأصحابها لن يغيروا شيئاً، ومن "يتزوج أمي نقول له يا عمي، ماذا علينا أن نقول له غير عمي"، يمثل يزن حالة الوفاق مع الواقع مهما كان والتكيف معه ومجاراته والاستفادة منه دون أن ينخرطوا مع طرف دون آخر بشكل مباشر.

لكن موت أنس وشهادات الفيلم الوثائقي الذي صوره، غيّرت من مفاهيم يزن تماماً، هزته من أعماقه، جعلته يفكر بصوت يسمعه ضميره، ليقول: "عندما عرفت تفاصيل ما حدث، لم أستطع أن أواصل حياتي كما لو أني لم أعرف.

لم أستطع أن أطوي الصفحة، وأنسى.

حاولت. لكن فشلت.

ألم المعرفة كان مختلفاً. يثقل الروح والجسد معاً.

وشعور العجز كان أكبر من طاقتي على التحمل".

- وقد مرر الكاتب خلال الرواية إيضاحات نفسية شديدة الأهمية حول ما يعاني منه المعتقل نفسياً، وخصوصاً بين الضحية والجلاد، في سرد روائي لافت، معتمد على شهادات حقيقية وتوثيق لجزء بسيط من الحقيقة المؤلمة.

الخلاصة:

- الرواية مسبوكة بشكل أدبي عال المستوى، رواية تأصيلية محكمة البنية والحبكة والهدف، ترسم خريطة دقيقة للنفس البشرية نفسياً، حيث لا تستطيع الجزم بالقدرة على إبداء حكم نهائي على أحد ما، بالرغم من توافر العديد من المظاهر التي تدل على أن صاحبها يسلك سلوكاً معيناً.

- يمتلك الكاتب خزينة ممتازة من الأمثال والمفردات التي تتناسب وبيئة العمل الروائي عن أهل الشام وهذا يدلل على أنه يكتب عن مجتمع يعرفه حق المعرفة، وقد قام بخلق عوالمه وتصوراته عن نقائص هذا المجتمع وتباين بيئات أبطال شخصياته وتناقضاتهم وتحزباتهم وعاداتهم بشكل مطابق للحقيقة.

- ولعل أقسى ما مر في الرواية هي شهادات الفتيات اللواتي تعرضن للاغتصاب وعلى رأسهم "جوري"، كان الأمر مفزعاً وجنونياً لأعلى درجة، لقد كانت هذه الأفعال الحيوانية تتعدى حدود الجريمة إلى نطاق واسع من احتقار النفس البشرية وإذلالها وتعذيبها لحد الإفناء، تعذيب يتجاوز الجسد إلى أعماق الروح، ناهيك عن التحدي المباشر لله في سلوكيات التعذيب التي تعمل على تحطيم الإيمان بكل شيء.

"أسوأ ما حدثَ لي بعد خروجي كانَ موقفَ النَّاسِ منّي، كنتُ مخطوبةً عندما اعتُقلِتُ، خطيبي فسخَ الخطبة، سألني إنْ كنتُ قدْ تعرّضتُ لشيءٍ منْ هذا عند اعتقالي. ما كانَ من الممكنِ أنْ أنكر، انتشرَ الخبرُ في كلّ مكان".

رواية أرشحها بقوة لمعرفة حقيقة النظام الاسدي وكل نظام شبيه به ، فعلى كل ما حملته الصفحات من قسوة وألم شديدين، وما يمكن أن تتركه من أثر سلبي وانكسار وخيبة أحياناً، إلا أنها شديدة الأهمية، ووثيقة مهمة تضيء على معاناة إنسانية تستحق أن يكتب عنها آلاف الروايات والكتب.

Facebook Twitter Link .
0 يوافقون
اضف تعليق