الظل والحرور : منتخبات من السير الذاتية - المجموعة الأولى > مراجعات كتاب الظل والحرور : منتخبات من السير الذاتية - المجموعة الأولى > مراجعة أحمد فؤاد

هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
5

في أي لحظة من حياتك لا بُد أن تقرأ هذا الكتاب؟ الآن!

مُراجعتي الكاملة بشكل مُنسّق مع الصوّر على موقع عالم موازٍ على هذا الرابط ****

هل تجاربنا مُتفرّدة وتختلف عن تجارب بقية البشر؟ أم أنها جميعًا مُتشابهة؟ إن كل إنسان لديه يقين عظيم بأن قصته ستكون مُختلفة عن بقية من سبقوه. تجارب قصص الحُب والزواج والعمل والنجاح. تجارب الشراكة. تجارب تربية الأبناء. تجارب الكفاح ضد الفقر أو الظلم أو متاعب الحياة. إن كل إنسان منا يظن -وعلى الرغم من التشابه الكبير بين السواد الأعظم من البشر في هذه الأمور- أن تجربته ستكون مختلفة وناجحة. ربما مردّ هذا فِطرته التي تُحرّكه لرفض أي قيود تُفرض عليه. أو إلى إيمانه بالحق الذي كفله الله تعالى للإنسان بحريته في الاختيار.

هناك عدة أسباب تدفع القارئ إلى قراءة كتب السِيَر الذاتية، منها أن لدينا رغبة دفينة في الاستماع إلى قصص الآخرين. وربما رغبة في التلصص على تفاصيل حياة الآخرين لمقارنتها بما نمر به. يبدوأننا نبحث في تفاصيل تجارب السابقين عن تفصيلة صغيرة يُمكنها أن تساعدنا على تعزيز تجربتنا ومحاولة الارتقاء بها. خطوة ما. طريق جديد. اقتراح مختلف. لا بُد أن هناك ما يمكننا اكتشافه ومحاولة تجربته. لكن الأهم ليس الاكتشاف في حد ذاته بقدر ما هو معرفة طريقة تنفيذها بحيث لا يكون الأمر مجرد نسخ ولصق. وإنما يكون بفهم الفكرة وتنفيذها بطريقة مُتفردة تناسب الفرد وتُعبّر عن شخصيته وتلائم معتقداته وأفكاره وأخلاقه.

وربما ما يدفعنا إلى قراءة كتب السير الذاتية أيضًا؛ التماس الحكمة من شخص يكتب لنا بعد أن وصل إلى عُمر كبير لم نصله بعد في الغالب. شخص يحاول أن يفهم ويكتب رؤيته الخاصة. شخص يدرك -كما أدرك أغلب البشر من قبل- أن أغلب الأشياء التي مثّلت الاهتمام الأكبر في حياته، لا تهم في آخر المطاف. وأن الإنسان ساذج في أغلب أمنياته، وأن آماله لن يتحقق منها سوى النذر اليسير. وأنه مهما حاول أن يوصل حكمته لأبنائه فإنه في الغالب لن ينجح. وأن التاريخ سيمر به ويمضي مثلما مضى على من سبقوه. وأن سير الناس في الأرض لا تبقى مشهورة بجودة أعمالهم الصالحة فقط، بل ربما لكونها تُستخدم دعائيًا أو اقتصاديًا أو دينيًا أو اجتماعيًا أو سياسيًا. فما أكثر الأعمال أو السير التي اندثرت أو لم تحظ بأي نصيب من الشهرة حتى وهي موجودة بيننا لأسباب مختلفة ربما يعرفها البعض ويجهلها الكثير. بينما تتألق تحت أضواء الشُهرة أعمالًا وسِيَر لا تستحق أن تحظى بهذه الهالة.

-------

فكرة جذابة

ترشيح صديقي حمد، والفكرة المختلفة التي يُقدمها الكتاب هما ما شجعاني على قراءة كتاب ”الظل والحرور“. جمع الكاتب ”فهد الجريوي“ اختياراته الخاصة من نخبة من كتب السير الذاتية ثم عرضها في شكل فصول قائمة على مواضيع مُحددة. بحيث يكون الموضوع هو عنوان الفصل ومن ثم تأتي تحته اختيارات الكاتب من تلك الكتب. وهي فكرة جذابة حقًا، ولا أعرف إن كانت مطروقة من قبل أم لا. نعم رأيتها من قبل لكن كمقالات في الصحف المتخصصة. ولكن لم أرها من قبل في كتاب.

الجميل في هذا الكتاب أن الفصول المختارة جاءت مناسبة جدًا وشديدة الارتباط بأهل المنطقة العربية المتشابهة لغويًا وثقافيًا واجتماعيًا وفكريًا إلى حد بعيد. وبمجرد الاطلاع على أسماء العناوين ستدرك أنها ترسم الأساسيات التي تُشكّل الإنسان بشكل عام: ”آباء وأمهات - الطفولة والصِبا- مناصب ووظائف - التعلم - القراءة - الكتابة- الأعلام الشهيرة في الوطن العربي - الشعراء والشعر - الرواية - رفيق العمر ورفيقة العمر - الأبناء والبنات - بين التلاميذ - الصحة والمرض - خلف القضبان - وصايا“ - من الصعب ألا يشعر القارئ أن الكتاب لا يُمثل أفكاره وهمومه وتكوينه واهتماماته بشكل أو بآخر.

-----

نقطة مميزة وعيب محتمل!

ما يميز هذا الكتاب نقطة -قد تعيبه أيضًا- وهي أن الاختيارات جاءت قصيرة وسهلة القراءة والتجزئة. وهذا يعني أن القارئ لن يشعر بالملل أثناء القراءة؛ كونه لن يجد تفاصيلًا لا بد أن تكون موجودة في الكتاب الأصلي المُقتبس منه. وأيضًا لها أثر بفتح أُفق القارئ على عدة أفكار وزوايا لكل موضوع من المواضيع بسبب تعدّد الآراء للموضوع الواحد. هذا التكثيف يساعد القارئ على التركيز وعلى الخروج بالفائدة وعلى القراءة السريعة، خاصة وأن القارئ المتململ يمكنه أن يقرأ بضع صفحات في الجلسة الواحدة فيما لا يتعدى ذلك ربع ساعة أو نص ساعة على الأكثر.

لكن نفس النقطة قد تكون عيبًا في الكتاب في رأي القارئ الذي يبحث عن التعمق وعن ربط الأحداث وسياقها وتأثيرها على الكاتب الأصلي. فلا يمكن أن تنقل لي هذه الاختيارات الشعور الرائع الذي انتابني مع قراءة ”ذكريات علي الطنطاوي“ أو ”ماذا علمتني الحياة؟ - أحمد أمين“ أو ”سيرتي الفكرية - عبد الوهاب المسيري“ و“الأيام - طه حسين“ وغيرها. تلك الكتب والتي تمثل التجربة الكاملة للكاتب بالشكل الذي يرغب في نقله للقارئ، والتي بسببها يتأثر القارئ بها ويتفهم سياق الأحداث وسبب الاقتباسات المختارة التي يقرأها في أماكن أخرى.

دعونا نعتبر كتاب ”الظل والحرور“ فاتحًا لشهية للقارئ -الذي يهوى قراءة تلك الكتب- أو كنوع من المُقبّلات التي تدفعه إلى التهام الكتب المنقول منها.

لكن أكثر فائدة في هذا الكتاب ”الظل والحرور“ - في رأيي - هي حثّ القارئ على الاطلاع على قراءة كتب السير الذاتية المُقتبس منها.، إن أكثر ما أبهجني هو أن الكتاب كان بمثابة كشّاف للآلئ أدبية في هذا اللون الأدبي جعلني أضع بعض الكتب -التي لم أقرأها بعد- على قائمة القراءة. بل أنني بدأت بالفعل بقراءة كتاب ”ماذا علّمتني الحياة“ لأحمد أمين.

-----

سلبية واحدة

أعترف أنني وعلى الرغم من إعجابي الشديد بالكتاب، وتأثري به. إلا أنني لا بد أن أعتبر الكاتب انتقائيًا في اختياراته. وهذا أمر أتفهّمه بكل تأكيد خاصة وأنه قد أشار إليه بنفسه في مُقدمته. الكاتب كان واضحًا في الإشارة إلى عدم ميله إلى المذكرات السياسية (وأنا أوافقه جزئيًا فيما ذهب إليه). وبأنه أُصيب بخيبة أمل في الكثير من كتب السير الذاتية التي نالت شهرة رأى أنها لا تستحقها ”وأنا أيضًا أوافقه جزئيًا في هذا الأمر“. وأخيرًا فإنه رأى أن أغلب المذكرات الغربية تحديدًا كانت بلا قيمة أو فائدة أو بها الكثير من والترويج للباطل وفساد الأخلاق.

نعم قد أتفهّم الكاتب لكنني لا أتفق معه فيما ذهب إليه بشكل كامل، وقد رأيت في الكثير من المذكرات الغربية الكثير من الفائدة - وإن جاء كثير من المشهور منها مختلطًا بأفكار تخالف أفكارنا وتتعارض معها- لكن الأمر ليس الغرض منه ترويجًا ما من قِبَلِهم. وإنما هي مجرد خلاصات تجارب بشرية متنوعة، وتقييمنا في أهميتها أو قيمتها يتفاوت حسب قدرتنا على الاستخلاص والفهم والتأمل والتدبر والتفكير. فالمعايير تختلف باختلاف المبادئ والأصول والمعتقدات. وحرية الرأي مكفولة لجميع البشر، والإنسان السوي هو من يطّلع ويقرأ ويقارن ويصل إلى النتيجة التي يخرج بها بعد هذا التدبّر.

لكن بالأخير الشكر للكاتب على النصيحة التي ارتآها وحاول أن يوفّر على القارئ ضياع وقته وأن يقيه شرّ الدعايات المُبهرة للأعمال السطحية، وذلك من وجهة نظره الشخصية.

-------

تقييمي النهائي

ستة عشر ساعة قضيتها في قراءة هذا الكتاب "الظل والحرور". غرقت في بحر مقتطفات السيّر الذاتية المُنتقاة بعناية. وأعترف أنني أبطأت من سرعة قراءتي من أجل أن أعيش وأشعر بكل مقتطف.

انتزعني هذا الكتاب من واقعنا، وكشف لي -بقسوة- عن السطحية والتفاهة التي استشرت في مجتمعاتنا - عربيًا وعالميًا- بكل وضوح. وكيف لا وأنا في صُحبة المازني وطه حسين وعلي الطنطاوي وزكي مبارك وأحمد حسن الزيات ونجيب محفوظ والعقاد وجلال أمين وأحمد أمين، والكثير غيرهم.

كتاب رائع رغم انتقائية المقتطفات المُختارة، وتجاهل بعض السير الغربية التي بها الكثير من الفائدة.

تقييمي للرواية خمس نجوم ⭐️⭐️⭐️⭐️⭐️

معيار التقييم:

نجمة = لم يعجبني - نجمتان = مقبول - 3 نجوم = أعجبني - 4 نجوم = أعجبني بشدة - 5 نجوم = استثنائي

أحمد فؤاد

الخامس عشر من شباط - فبراير 2025

Facebook Twitter Link .
1 يوافقون
اضف تعليق