هل قصد أمين معلوف من خلال قصتيه المتوازيتين بسمرقند واللتان يفصل بينهما زهاء الثمانمئة عام أن يوضح لنا بأكثر من طريقة التفاوت الكبير بين عصر عُمَّر الخيام وعصر بنيامين عمر لوساج ؟! أم إنها طبيعة الأمور التي تفرض نفسها على الخيال قبل الواقع…
الأول هو عصر عمر الخيام (١٠٣٨-١١٢٤)ونظام الملك (١٠١٨-١٠٩٢)وحسن الصباح (١٠٣٧-١١٢٤)
هذا العصر إيقاعه أبطأ مهما امتلأ بالأحداث وتعداد ساكنيه أقل وبالتالي شخوص الرواية أما القرن التاسع عشر فهو مزدحم بالمقارنة وصراعاته أكثر تعقيداً وتأثيراً على جموع البشر. معاركه قوامها الفكر والعقيدة والكلمة وعلى عكس العصر الأول الذي كان في بداءته وحشياً ممعناً في القسوة يحيطه المكائد والدسائس الواضحة وإن توارت وطرق الثأر والفوز كانت بدائية كخلط السم بالطعام ومواراة جثة وفضح محتوى رسالة أو اخفائه وتصيد هفوة أو نزوة…
العصر الثاني (١٨٧٠- ١٩١٢) متمثلا في الرواية الثانية أجدني به ألهث وراء السطور المفعمة بالأحداث وأركض خلف الحروب والثورات عاجزة عن استيعاب بعضها إلا بالكثير من البحث والتقصي والتدوين والمراجعة. إلا أنني مع ذلك أجد الرواية الثانية حصاد يستحق الجني لارتباطه بالحاضر ومعاينتنا أثر أحداثه ومواكبتنا لها.
وقد استمرت آلة الطمع وجيوشه في حصد الأرواح وتجسدت المدنية في عنفوان تقدمها بحروب أكثر إبادة فالبشر تتبخر وتتحلل في دقائق بعد مواقعة القنابل المتطورة التي لم يندم أوبنهايمر مصممها الفذ عليها حتى بعد هيروشيما وانحصر ندمه في كونه لم يخرجها للدمار من قبل ليتم استخدامها ضد الألمان!!
حتى ليالي حب الخيام مع جيهان في العصر والرواية الأولى أعمق وأبطأ وتأثيرها كالنبيذ المعتق الذي كانا يحتسيانه ومقارنتها مع تلك التي كانت بين الأميرة شيرين حفيدة الشاه وبنيامين عمر لوزاج لهو اجحاف لها !!
يظل أمامنا تأمل بنيامين عُمَّر لوزاج بمقاطع اسمه المرمزة والتي ترمز لليهودية ، الإسلام والمسيحية وما فعلته في فارس وأثر صراعها الممتد إلى يومنا هذا على البشرية.
ثقافة أمين معلوف وغزارة معلوماته جلية جلاء الصبح كذلك مثاليته ورومانسيته في تناول الأحداث وحكمته الممتزجة بويلات وخبرات الأيام.
سمرقند رواية أنضجتها عقيرة الكاتب على نار ونور من الإلهام والعلم لتصبح عملاً قيِّماً أنصح الكل بتذوق كلماته ومضغها بهدوء وتفكر وتعقل ثم هضمها بإيمان كلير وعمل أكبر!! …
#سمرقند
#أمين_معلوف