حبة بازلاء تنبت في كفي > مراجعات رواية حبة بازلاء تنبت في كفي > مراجعة Mamdouh El Tayib

حبة بازلاء تنبت في كفي - دعاء إبراهيم
تحميل الكتاب

حبة بازلاء تنبت في كفي

تأليف (تأليف) 4.1
تحميل الكتاب
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
5

حبة بازلاء تنبت في كفي / دعاء إبراهيم

الإنسان محكومٌ بالعائلة. تشغلني كثيراً فكرة الأثر الذي تتركه فينا العائلة، ذلك الإرث الذي قد يظهر للغرباءِ بصورةٍ مُرضية للتوقعات، بينما نحن نعلم إنه إرث من الخسائر، إما أن نتخلى عنه بمحو الانتماء، أو البحث عن منفى، ولو الاختباء داخل دولاب.

المشكلة بدأت حين صدق الراوي أمه، أن بمقدور طفل الاختباء داخل دولاب الملابس متحرياً الفرار، آمن بكلامها طفلاً، فعله حين كبرَ، وبعد أن قطع مسافةً طويلةً من الوجع والفقد، حتى أصبح الرجل الذي اختبأ في دولابس الملابس، لأن العالم في الخارج واسعٌ ومخيف.

تلعبُ الروائية والطبيبة دعاء إبراهيم لعبة سردية محكمة، حيث تراوحُ بعقل القارئ بين الحكاية الشعبية والأسطورية وبين الحدث الحقيقي، دون أن تخل بعنصر الانتباه، الذي يحتاج القارئ للتورط تدريجياً مع النص ليكتشف قانون اللعبة.

هنا، أمام زمنين للسرد، زمن استغراق الحكي وهو المدة التي بقيها الطبيب داخل الدولاب مختبئاً، يصاحب فأراً متخيلاً، وزمن الأحداث الذي بدأ من طفولة الراوي حتى وصوله للعمر الذي عليه فيه أن يقدم الأبوة والرعاية، محاولاً التعافي من أثر الأبوة الأولى، في بيت العائلة، لعائلة تخصه بلا ترومات.

من أول فقرة يؤسس الراوي الأركان الأصلية للرواية، حيث تظن الأم أنها زهرة سحرية في قرية تأكل الثرثرة والنميمة وقتها. هنا تبدأ الحكاية من البيت، متخذة من الخلل / القبح أول مخاوفها. وعبر النص يظل عالم القرية الأرضية انعكاساً للعالم الأوسع، دون أن يفقد صفاته، حيث الفقر والجهل وفقدان الخصوصية والوصاية الدائمة وكراهية التغيير. ثم يمهد للأجواء التي ستسود الرواية، حيث الحكايات تتوازي مع الواقع، والشخوص يقابلهم آخرون في الواقع، هؤلاء الذين لا تظهر عيوبهم بسهولة كما تظهر جلية في الحكايات. يقول الراوي ص10 : " في الحكايات خيانات، حب، خير، شر. في الحكايات لعنة، عقاب، ساحرات. في الحكايات حياة للساذجين أمثالنا" هنا وإن كان الكلام عن حكايات الأم، لكنه في العمق يقصدُ الواقع، الحياة بلا حكايات أسطورية.

حمل النص العديد من نقاط القوة الواضحة جداً، مثلاً إيقاع الحكي، التون الذي يسري بين جمل الفقرة الواحدة، وبين الفقرة والأخرى، فعلى مدار تجربتي في القراءة لم أشعر بتوترٍ شاذ ولا ببطئ مبالغ فيه، ولا قفزات مباغتة تكسر حالة الإيهام الموجودة. أقول أن النص خلق لنفسه قاعدة حاكمة وهي أنك ستقرأ في منطقة تتأرجخ بين الحقيقي ( الواقعي ) والمتخيل ( الأسطوري) دون أن تشعر بالغرابة، بمعنى أنك ستثق وتصدق، كما صدق الراوي في حكايات الأم والجدة، أن هذا هو الحقيقي وليس افتراضاً يتحكم الراوي فيه.

معتمدةً على جميل سردية قصيرة ومتوسطة الطول، تمضي الرواية في سردٍ متدفقٍ، ولغةٍ تناسب حالةَ الاستدعاء والبوح للذات التي يعيشها الراوي. وأشير لحسن تحكم الكاتبة في صوت الراوي، حيثُ يبدو أكثر رقة وهشاشة وهو يحكي عن تجارب الطفولة، وأكثر نضجاً وحساسية وهو يسرد تجارب حياته في عمره الحالي.

كذلك فالراوي نفسه يتماهي مع هذه اللعبة، مثل الغميضة التي تُلعب طول الوقت في الرواية، حيث يصدق الأكاذيب التي حيكت في طفولته عن وضع الأب ومكانته، لتزييف الواقع، ليس كما في الحكايات الأسطورية، بل لاقناعه بواقعٍ آخر أكثر بريقاً، حيث الأب " باشا يرتدي بدلة صيفية لا تكاد تنخلع عن بدنه، وبيجاما بها خطوط زرقاء للنوم في الشتاء " بينما هو يعمل موظف في ممستشفى. وعلى هذا المنوال، يبدأ في قلب الطاولة، ليمنح الأشخاص من حوله، واقعاً آخر، يستمد جذوره من عالم الحكايات الشعبية الساحرة والأساطير.

لم تفارق الرواية عالم الطب، بدءاً من التوصيف المرضي للأشخاص " كالخالة صاحبة الأنف الكبير" ثم بعمل الأب، ودراسة الابن وعمله فيما بعد كطبيب. لذلك فتيمة المرض والتعافي حاضرة بقوة في الرواية، ولا تعني الأمراض بشكلها المعروف، بل الأمراض التي تصيب العلاقات والأسر، كالخيانة والقسوة والأنانية.

وكما في الطب، حيث يتم عزل المريض، تنأى الشخصيات الجريحة بنفسها في عزلتها للتعافي، هكذا فعلت الأم بعد جراح الخيانة، وفعل الابن بالاختفاء داخل الدولاب، متعافياً بالحكي المتخيل مع أمٍ غير موجودة. ومع نمط تقسيم العمل إلى حكايات، يأخذ الراوي ( الابن ) استراحة للمونولوجات، مثل تعقيب على كل حكاية في الرواية.

أول عمل أقرأه لدعاء إبراهيم، وأول عملٍ في هذا العام، يمكنني أن أقول بصدق أنه خير مفتتحٍ بالفعل، ولدي الكثير لقوله عن فنيات أكثر وأفكار أخرى عن العمل أتمنى لو يسعني الوقت للكتابة عنها.

Facebook Twitter Link .
0 يوافقون
اضف تعليق