🔷️🔹️ مراجعة رواية "البكّاؤون" للروائي البحريني "عقيل الموسوي"، بقلم: حسين قاطرجي.
القائمة الطويلة لجائزة البوكر 2025.
كثيرًا ما يُقام العويل في الجنازات والاحتفالات الدينية الكبرى، ليحثّ النّاس على التفكير في حياتهم الفانية. في لحظاتٍ كهذه، يبدو أن الدّنيا تتوقف، لتفسح المجال للدموع لتتكلم بما لا تقوى الكلمات على وصفه. هذه الطقوس، على الرغم من كونها تتّسم بطابعٍ دينيٍّ وروحيٍّ عند بعض الطوائف، إلا أنها تحمل في طيّاتها رهبة تشلّ التفكير وتغرس الخوف في القلوب وتبتعد كليّاً عن العقل والمنطق السليم. ولو ناقشنا الموضوع من ناحيةٍ دينية لعرفنا أنّ المسلم مطالبٌ بكبح جماح دموعه والسيطرة على نفسه عند البلايا، والتّسلي بالصبر والتسليم لقضاء الله.
في رواية "البكّاؤون" يكشف لنا الرّاوي "عقيل الموسوي" تفاصيل بيئةٍ لم يطّلع عليها كثيرٌ من القرّاء؛ وهي المجتمع الشّيعي في البحرين، وذلك من خلال تتبّع حياة أفراد عائلة "آل كاظم" التي ينتمي إليها بطل الرواية الأول "صادق جواد".
لفت نظري في الرواية مواقف وأحداث أجمعها في النقاط الآتية:
- سيلاحظ القارئ أنّ أشدّ مايربط أفراد الأسرة الواحدة ليس رباط الدّم والقرابة، بل هو البكاء والحزن على الحسين، لن يمرّ في الرواية صفحةٌ دون أن يذرف أحد الأبطال دموعه على الحسين وآله..! وربما تعمّد الكاتب هذه البكائية الجارفة بدليل أنّه أسمى روايته "البكّاؤون".
- لا يوجد في الرواية عقدة واضحة ولا ذروة في تتابع الأحداث، بل هي سيرة حياة أفراد العائلة الواحدة التي لن يصادفنا في حياتهم ما يُدهش أو يستحق الاهتمام؛ لكثرة ما يمرّ في حياة غيرهم ما جرى لهم فيما حكاه لنا الكاتب.
- تجري أحداث الرواية في ثمانينات القرن الماضي في مملكة البحرين عُقيب انتصار الثورة الإسلامية في إيران ووصول "الخميني" إلى سدة الحكم، وما تلا ذلك من انبهار الشيعة في المنطقة بما اعتبروه نصرهم المؤزر بعد سنين الخيبة العجاف.
- عجيبٌ مايقوله الكاتب (إن كان هذا حقّاً)؛ وهو وجود التفاضل في المقام حتى في الأسرة الواحدة!! فالأم "حسينية" لايجرؤ زوجها حتى على اقتراح اسمٍ لحفيده أمامها لأنها علوية ابنة "الملا سيد علوان" ولها ولأبيها نسبٌ في شجرة الأنساب العلوية، أمّا زوجها فهو ميرزا: أي أنّ أمّه سيّدة وأبوه عاميّ من رعاع النّاس!. وعليه؛ فإنّ لها المقام الأسمى والمنزلة الرفيعة لا لكونها أمّاً فحسب بل لنسبها الماجد رفيع الشأن.
- نجد في الرواية صوتين فقط: الأول راوٍ عليمٍ بالأحداث، والآخر صادق جواد، الذي يسافر إلى لندن ويعشق فتاة بهائيّة، وسيشترط أهلها أن يدين بدينهم للموافقة على زواجهما، و نراهم ينتظرون زمناً حتى إتمام الزواج حتى يستحكم الدّين الجديد في قلب الخاطب!!، في نصف الرواية الثاني سيحكي الكاتب بشكلٍ مكثف عن البهائية وطباعهم وعلاقتهم بالفرس في ايران والمغترب.
- ينتقد الكاتب بجلاء بعض العادات التي جرى الشيعة على فعلها في أمكنةٍ أو أزمنةٍ معيّنة وتحديداً (عادة التطبير) حيث يجلد الخلق أنفسهم جلداً عظيماً حتى تجري دماؤهم من أجسامهم ورؤوسهم حبّاً بالحسين وعقاباً لهم على ذنبٍ لم يفعلوه!!.
- يلوّن الكاتب روايته -بعيداً عن البكاء الدؤوب- بفعاليات كأس الخليج لكرة القدم، وانتظار أبطال الرواية فوز البحرين بهذا الكأس، ويسرد الكاتب لنا فصولاً عن اهتمام النّاس بالبطولة وانتظارهم لها وتفاعلهم مع المباريات.
- زبدة القول هي رواية بثيمة واحدة وهي البكاء وإن حاول الكاتب حشر ثيماتٍ أُخَر كالزواج من دينٍ آخر، أو التطور الإجتماعي والسياسي في البحرين، إلا أنّ البكاء واللطم والتطبير والحزن العميم يبقى مدار الرواية ومحورها الأساس.
• البكّاؤون
• عقيل الموسوي
• دار تكوين
• الطبعة الأولى 2024، 373 صفحة.