إن لم نستعِد الماضي، فسنخسر المستقبل. محزن أن نحسّ أننا لا نملك من هذا العالم إلّا خوفنا على الماضي بعد أن أصبح وحده حياتنا المؤكّدة، مع هشاشة حاضرنا"...
"طفولتي حتى الان" سيرة ذاتية للكاتب ابراهيم نصر الله ولكل فلسطيني عاش حياة الشتات بعد نكبة عام ١٩٤٨، فقد استطاع نصرالله أن ينقلنا بحرفية سلسة من بيوتنا وغرفنا إلى داخل بيته ومدرسته في "مخيم الوحدات" الذي يعتبر واحد من أكبر المخيمات الفلسطينية في الأردن، مشينا معه في شوارع المخيم وجلسنا على مقاعد الدراسة في مدارس وكالة الغوث تنقلنا مشياً على الأقدام من الوحدات إلى جبل النظيف، شاهدنا الطائرات تقلع من مطار ماركا، نزلنا نزلة الجوفة حتى وصلنا وسط البلد قاصدين مكتبة الأمانة، حتى أمين المكتبة تبادلنا معه الحديث، عشنا معه نصرالله كل الكتب التي قرأها والأفلام التي شاهدها والأحداث التي عاصرها، حتى صنعت منه كل هذا التألق والابداع على مستوى الشعر أو الرواية...
"طفولتي حتى الان" رواية تجاوزت صفحاتها ٥٠٠ صفحة، قسمت إلى ٦ طفولات عاشها الكاتب في حلوها ومرها، حياة الكفاف التي عانى منها غالبية الشعب الفلسطيني في مخيمات الشتات، والعلاقات بين الأسر آنذاك والأهل والأصحاب داخل البيت الواحد وخارجه، ودور المرأة المحرك الرئيسي لصناعة شخصية كاتبنا ابراهيم نصرالله، والتي تجسدت بالأم السيدة "عائشة" التي لقبت نفسها (وزيرة التربية والتعليم) لحرصها الشديد على تعليم أولادها وحصولهم على درجات مرتفعة مؤمنة كما كل فلسطيني بأهمية العلم والتعليم باعتبارهما سلاح كما البندقية نتسلح بهما لمواجهة عدونا، وقد صدقت هذه الأم الفاضلة شعر حافظ إبراهيم حين قال: "فالأم مدرسة اذا اعددتها اعددت شعبا طيب الأعراق"...
الصداقة في حياة كاتبنا إبراهيم نصرالله كانت المرآة التي من خلالها اكتشف نفسه واستطاع التعامل عبرها مع نقاط ضعفه وقوته، فهذه نور الصديقة المقربة جدا في مرحلة الطفولة أو الحبيبة التي لم تعترف بحبها في مرحلة الشباب؛ لم نعرف موقعها خلال الرواية بالنسبة للكاتب، لكننا تعرفنا على دورها في صياغة وإعداد كاتبنا إبراهيم نصرالله فهي كانت أول من قرأ له وشجعه على الاستمرار، حتى أنها كانت تهديه دوماً دفاتر جميلة غير تلك التي توزعها "وكالة الغوث" حتى يكتب أجمل وأجمل...وبشير وقاسم ونبيل أصدقاء الطفولة ولكل واحد منهم قصته الحقيقية التي أوردها كاتبنا كجزء من سيرته الذاتية والتي تمثل سيرة شعب كامل كما اتفقنا في المقدمة، والأصدقاء جزء من هذا الشعب.
الرواية فيها تفاصيل كثيرة وأحداث سياسية ومواقف اجتماعية ومشاعر وطنية لا يمكن اختصارها بمراجعة بسيطة، لهذا ولأسباب كثيرة أخرى انصح وبشدة بقراءة الرواية بعين وقلب كل فلسطيني عاش مضطراً في شتات لم يختاره، حتى أصبح السفر والتنقل بين الدول حلم يراوده لعله يجد ما يُسكن روحه التواقة لوطن سُلب منه...
الرواية من الناحية الفنية -حسب رأي المتواضع- فيها بساطة "ماكرة" حيث استطاع الكاتب دمج الأزمنة مع بعضها البعض دون تكلف أو إرباك للقارئ، والسرد كان سلس جداً بحيث ممكن أن تنهي أكثر من ١٠٠ صفحة دون توقف أو تشتت، لايوجد تكلف باللغة فالتعابير قوية وقريبة من نبض القارئ...
مما زاد الرواية حيوية وجمالا وعاطفة ورود اسماء لشخصيات حقيقية عاشت تلك الحقبة الزمنية منهم من مات ومنهم من يزال على قيد الحياة، وجاءت الرواية ذكر أماكن معروفة جدا لكل أهل الأردن، أماكن حيوية أصبحت مع الوقت جزء من تراث أهل عمان...