"عجيب هذا الفقر، ما إن تسمع الكلمة حتى تتخيل عجوزًا محني القامة يرتدي المهلهل من الثياب ويمسك بعصا بالية، لكن المنطق يقول إن الفقر عملاق مفتول العضلات موقور الصحة، وإلا فكيف هزم كل هؤلاء الفتية الصغار وأجبرهم على ترك ذويهم وطردهم من بلادهم للمجهول"
-أسفار مريم المحرمة.
بهذا أفتتح مراجعة الرواية الأفضل على الإطلاق منذ أن بدأتها في 2024 وأنهيتها هذا الشهر، أعتقد أنني اكتشف قلم الكاتب متأخر ولكن أن تأتي متأخرًا خير من أن لا تأتي، الرواية بديعة وتلمس القلب حقيقي.
مش من الناس اللي بتتفاعل وتتأثر بالرواية بتاتًا، بس تفاعلت وحزنت وتعاطفت كثيرًا مع شخصيات وأحداث الرواية.
ستكون المراجعة مختلطة ما بين العامية والفصحى.
الغلاف والعنوان حاجة كدة من دهب، حرفيًا غلاف تحفة رغم بساطته، عنوان ملفت للانتباه ويجعلك متأهب للقراءة واكتشاف كينونة العمل.
تطرح لنا مشكلة الفقر والمعاناة بسبب قيام الحرب وتلهف الناس على أكل ولو عيش حاف حتى، ودلشاد الذي مات والديه وتركونه كالمشرد ليس له لا أهل ولا صاحب، حتى بعد أن قضى فترة من عمره مع الآخرين ولكن كانوا لا يعاملوه كأب وأم لأنهم لا يعتبروه هكذا بل ويعاملوه كمنبوذ!
دلشاد الذي كان يلجأ إلى من آوته في بداية عمره تطرده وتطلب منه الخروج وعدم المجيء مرة أخرى ولكنه لا يسمع كلامها بل ويأتي ويزعجها بضحكته التي يطلقها في أي وقت حتى لو الأمر لا يستدعي ذلك حتى، يحدث أن يتزوج دلشاد من الذي أحبها قلبه وينجب منها ولكن يفقد حبيبته في يوم مولد ابنته، والتي ترعرعت بعيدًا عن أهلها متغربة في البيت التي ألقاها فيه والدها بسبب عدم مقدرته على احتمال مسؤوليتها، عانت كثيرًا مريم بسبب سكان البيت الذي تركها به والدها وحتى بعد أن تزوجت من صاحب الدار الذي يقال عنه أنه دنجوان، إلا أن قلبه مال إلى مريم وتزوجها بعد الكثير من المعاناة والرفض من شقيقته، أقضوا أيم سعيدة ومبهجة ولكن تأتي دائمًا الرياح بما لا تشتهي السفن، اندلعت الحرب وسادت المجاعة وأُنفِق مخزون زوج مريم وحاول في إخراج نفسه من المأزق ولكن الله استرد وديعته وهكذا فقدت أيضًا زوجها مثل أن تاهت عن أبيها وفقدت أمها والذان لا تعرفهما عن حق، كان لبعض الشخصيات دور مهم كالذي يسرد القصص على أطفال القرية هذا الذي رأيته خبيث في موقفه مع دلشاد وابنته مريم وكيف أقنع والدها بتركها في بيت بعيد عنه ولكن كنت استمتع بالقصص التي يلقيها وأقرا وأنا في قمة روقاني يعني.
اللغة في الرواية كانت بديعة وجميلة، راقية ورقيقة رغم قسوة الأحداث، هذه التي سحرتني بمفرداتها واساليبها الجميلة في الوصف والتعبير، لم أمل قط من اللغة أو الوصف الذي كان يمتعني بحق ويجعلني طايرة من الفرح لأجل إن الرواية نصفتني حقيقي يعني.
الحوار كان باللهجة العراقية والتي كانت سهلة لأن الكاتبة لم تتعمق بها وأكثرت من الحوار العراقي القريب جدًا من الفصحى التي يفهمها جميع اللهجات العربية، لفتت انتباهي كثيرًا باستخدامها لبعض الأبيات والأغاني بالبلوشية نظرًا لمكان الأحداث وناسه، هذه البلوشية التي جعلتني أبحث عنها وابقى عايزة أعرف اللي هي كاتباه دة إيه بجد؟ بحثت لم أجد الكثير عن الأبيات التي بحثت عنها ولكني سأستشير صديقتي العراقية الأصل في مساعدتي على ترجمة هذه الأبيات والتعرف على اللهجة أكثر.
نيجي للسرد اللي كان مبهر وعامل أساسي في إني عايزة أخلص الجزئين حالًا بالًا وكمان أشتريهم بعد ما أخلصهم إلكتروني، سرد متناسق ومتماسك لنهاية الرواية وممليتش للحظة في قراءتي المتمهلة في الرواية.
أقدر أقول أن الرواية كانت ومازالت تستحق المزيد والمزيد من تسليط الضوء عليها بل ومراعاة نظرتهم وتساؤلاتهم.
أقدر أقول إن دي الرواية اللي هرضى على اختيارها طول عمري، ولو عاد بيا الزمن كنت هقرأها برتم أقل بس استفادة كبيرة واستمتاع أكتر بكتير.
كلامي عن الرواية مش هيديها حقها بس اتمنى أكتر يتكلموا عن الرواية ويعجبوا بيها زي ما أُغرمت.