في تلكَ البلاد التي كانت لأحد ولم تعُد لأحد، تمرَّد سيوران طيلة حياته على المعنى وخاض تجربة اللامعنى، تمرَّد على الشيء من أجل خوض تجربة اللاشيء، خاض القطيعة مع المكان والزمان وانسلخ عن كل شيء في ذاته حتّى لغته الأم، لكنّه ظلَّ يرفض اعتبار نفسه متمرِّدًا، فالمتمرد يكافح من أجل شيء، بينما سيوران لا يُكافح من أجلّ شيء، بل يكافح ضد كل شيء.
اختار العدمية ورفض كلّ شيء، فضَّل معاداة الفكر وقال لا في وجه غِواية الوجود. تألَّمَ طيلة حياته فطالبَ بالاقل، انتظر لا شيء إلّا خلاصًا ينهينا وينهي كلّ شيء. وثقَ باليأس وأشاحَ بالأمل، تنازل عن العالم من أجل أن يربح روحه، لكنّه خسر الاثنتَين معًا. فكرة قدوم الموت في أيّ وقت ظلّت هي السبب الوحيد الذي جعله حيًّا صابرًا، لكنّه في النهاية لم يهتم كثيرًا أن يعيش أو يموت. ظلَّ طيلة حياته يطرح أسئلتهُ المعتادة، آه لو وُلدنا قبل الإنسان، ماذا كان حَدَث؟ لو سقطنا في الزمن بدلًا من أن نسقُط منه، ماذا كُنّا لنشعُر؟ لو لَم نُوجد قط، لو لَم نُولد قطّ، أيّ راحة، أيّ شعور! أيّ حريّة! لو كان آدم سعيدًا!. لو كان آدم سعيدًا في الحُبّ لوفّر علينا التاريخ ..