دلشاد : سيرة الجوع والشبع > مراجعات رواية دلشاد : سيرة الجوع والشبع > مراجعة سعد عماد

دلشاد : سيرة الجوع والشبع - بشرى خلفان
تحميل الكتاب

دلشاد : سيرة الجوع والشبع

تأليف (تأليف)
تحميل الكتاب
هل قرأت الكتاب؟

لا يوجد صوره

دلشاد

(من داخل الرواية)

إن أعز ما يملك الإنسان نفسه، فكيف به و هو يتهاوى لعدم يلمسه و يحفظ أشكاله في المرض و الجوع و الفقر، كيف يحافظ على وجوده و قرارته ضمن هذا الحيز الضيق و المسارات الوعرة التي لا يمكن أن تتهادى لسطح سمح و يسير بل تقذفه و يتدحرج صاغرًا إلى أبواب تستقبله بذله لا تمسح عنه شيئًا منه، بل تعطيه فوقه القهر ليليق بالمشهد الحزن و الأسى و الجوع أمام أقل حاجة، رغم أنه كان "دلشاد" و الذي يعني فرحان، إلا أن الفرح لم يتبادى في شيء إلا ضحكته العالية بلا معنى "الضحك بلا سبب، قلة أدب"، لكن من كان ينتظر أو يتبع الحس الأخلاقي و أكثر وجود هو البقاء!

الجميع أكرم الموت فكان يزورهم فجأة، و بدون حساب دقيق للعمر أو وصول للمرض و متى ما كانت الأقدار ترمي الناس إلى موت بالسيوف أو البنادق كان يمشي متبخترًا و يظهر بحلته أكثر من المعتاد، فتُقذف إليه الأرواح، إلا أنه يغير العطف و قد يُنسي الألطاف يومًا و يفاجئ الأحياء بنكبات ليسوا أهلًا لها إلا مريم، سار الجوع سيرة تحفظها مسقط و لكن لم تفهمها و لن تفهمها كما أشارت مريم يومًا و لن يتوقف الجوع أيضًا كما قالت ضمنًا، مضت السنوات و الأحوال تتبدل و كذلك الأسامي فالحوادث غيرت حسن "الغبن" إلى حسن لبن، دون أن يتوقع أحدًا ذلك، لأن الجوع هو ما يشغل الناس، و الشدائد التي سحقت الجميع جعلتهم متعاونين رغم اختلافهم إن أطلت سطحيات الأمور الكافية أن تسد جوعهم عن أصل الأشياء فلا شيء حولهم أكثر من الجوع الذي كان متأصلًا كأكثر من جوع للأكل.

جرت الأحداث تجر بعضها من لوغان إلى ولجات و حتى احترقت الشجيعية و مضينا مع الجميع إلى الحارة الشمالية، التي أصبحت تشي بعلامات الشبع شيئًا فشيئًا إلا أن الجوع ما زال يخيم على الأجواء حيث أن فريدة ما زالت تفتقد عبداللطيف و ذكراه و لكنها لم تجده في الكتب التي قرأتها ولا في السطور التي وثقت حسابات أمها، أحبت البحر بعد تولعها بسطح بيت لوماه، على الرغم من أنها ما زالت تفقد شيئًا لم تدركه.

(كقارئ)

لم تتورع الرواية عن إثارة دهشتي في كل صفحاتها أو صفعاتها، فحزنت على جميع الموتى وعزيّت كل أهاليهم، تركتني محملًا بالحزن و الضحك و الخوف مثل دلشاد، و تعلمت مع مريم الحذر الذي تعلمته هي من عبداللطيف و تفهمت كل مواقف فردوس إلا أنني لم أعذرها، مثل البقية أيضًا إلا الفريدة التي بدا لي أنها لا تلوم أحدًا أبدًا، سكون عيسى كان يحثني على التأني و قصص سنجور لم تكن في فصوله التي قيلت بصوته بل كانت في الحِكم التي تترأى كلما انقضى حدث أو مر، هو من جعل السرد قابل للتأويل فخيالات قصصه عززت فهم طبيعة الحياة و قلة الإعتماد على زمن محدد بل الإنطلاق إلى خيوط عديدة تتفرع و تعود في نقشات فريدة التي تعلمتها في الشجيعية، حتى تستمر إلى لحظات تعليمها التي جادت بقاسم و الشعر و الكثير من الكتب و حتمًا العشق…

(نقد)

تميزت دلشاد ببساطة لفظها و عمق فحواه فكانت أوصاف المشاهد قريبةً جدا لأن تُرى و تُشهد، لم تبالغ بشرى خلفان في مجازيات الوصف بل بلورت الأحداث و أطلقتها بإسهاب غني بالكثير من المعاني و التي لم تخلى من أي شيء في مسقط حتى تضاريسها الصعبة كانت توصف بسهولة مرئية، و هذا ما يجعل القارئ يطمع في معرفة المزيد فتنقضي معه الرواية في أيام لا ينتهي من كُتب أصغر فيها.

الجدير بالذكر هنا، أن الكتاب لم يحدد تواريخ بل رموز يستدل بها القارئ على الحقبة التي تخيلت فيها الكاتبة كل هذه الأحداث و هذا ما جعل بعض المعلومات التي يحتاجها القارئ تُفقد و قد يضيع في ربط الفترات فليس هناك خطوط زمنية واضحة يستطيع من خلالها القارئ الإستدلال، خاصة في ما يخص الشخصيات و التغيرات التي طرأت عليها، فلا شيء دل على عمر فريدة يوم مات أبوها بل عرفنا أنها وصلت للخامسة عشر من عمرها يومًا ما، و لا ندري متى حقًا صار حسن لبن، في لحظة تغيّر الزمن و الشخصيات بدا من الضروري الاستناد لتاريخ يحفظ للقارئ تتبعه لجوانب الرواية.

ختامًا، بدت الرواية مألوفة على ذهني و مسمعي لأني أنحدر من مسقط و ضواحيها و قد تساقطت لأذني أحداثًا تشبه ما قرأت و أعرف المناطق التي ذُكرت، و هذا ما جعلني متعلق و غارق في التفاصيل و لذلك لفتني التأريخ و ضرورته لأن التضاريس و الأحداث و الأعلام لم تكن كافية للاستدلال على طبيعة الحياة و الناس و تغيراتهم التي بدت مطردة على مشارف النهاية، و في ذكر النهاية أرى أنها كانت مغلقة و كافية، لأن الحب كما وصفته فريدة و أراده قاسم كان نتاج شبع و بذخ على عكس ما كان من مريم و عبداللطيف، و بهكذا انتهت سيرة الجوع، و في انتظار سيرة الشبع التي بدأت بالحب.

سعد بن عماد

Facebook Twitter Link .
أوافق
اضف تعليق