الكتاب : كم مرة سنبيع القمر ؟
الكاتب : د. أسامة علام
دار النشر : دار الشروق
التصنيف : مجموعة قصصية
كنت أعتقد فيما مضى أنني إذا أردت لقلبي أن يرق فاستمع لرقائق القلوب من أناشيد الزهد و الورع و التخلي عن الحياة كأنني درويش لكني كلما اقتربت من الأدب أكثر أجد نفسي لست في حاجة لتلك الدروشة فالحياة فيها الكثير من رقائق القلوب نحتاج فقط لمن يغنيها لنا بكلماته في موال أو قصيدة شعر أو حكايات مثل الحكايات التى بين أيديالآن " كم نبيع القمر لنا "
يوميات طبيب الرحمة بالفعل كونه طبيب بيطري لابد أن يتصف بالرحمة مثله مثل طبيب الأطفال و الكهول فكل هؤلاء الذين يعجزون عن البوح بما يشعرون به من ألم في حاجة إلى من يمتلك قلب رحيم يتغلل إلى أعماقهم يتلبسهم ليخرج ما بهم من آلام
أن كل الحيوانات التى تتعايش معنا حتى التى تختبئ في الحفر هي أطفال مهما كان عمرها.
هل تعلم بكاء القلب ؟ ربما جربته من قبل و أن لا تدري هنا سوف تجربه مع كل قصة و يخرج منها قلبك يملؤه الدفأ بعد برد صقيع سوف تشعر أن تلك الدموع التى إنسكبت منه قد غسلته و امتزجت بكل الأتربة التى صنعت جداراً عازلاً بينه و بين الحب و الرحمة بالآخرين.
سوف تصيب قلبك بالرحمة إن لم يكن رحيم و تجدد مشاعرك تنفض ما عليها من غبار الظروف القاسية التى نحيا فيها نحتاج لذلك لكن علينا أن نعترف
● تأملات في كل قصة :
كلما أنتهيت من قصة و انتقلت لغيرها أشعر مع الكاتب بوحدته أجده يبحث عن الونس بين الحكايات في شوارع أمريكا و الأزقة و السفر و منازل الأصدقاء و القهاوي و في وشوش الناس و حكايتهم
يقاوم وحدته بالقرب من الحيوانات التى لم يغب عنها فكل أفعال البشر يشبهها في قصصه بالحيوانات فتارة يشبهه بالدب، الغوريلا و الغزالة و ...
و ربما كانت هي أيضاً رحيمة به " فلا يكسر جدار الوحدة سوى معول الرحمة "
أراد أن الكاتب أن يحكي عن نفسه فجاءت قصصه كنصوص نثرية شاعرية أظهرت أن بداخل قلبه قمر يشع نور من المحبة و الونس للآخرين رغم أنه يفتقده فمن قال فاقد الشئ لا يعطيه؟
● فئران المدينة الكبيرة :
هل من الممكن أن يُصيب الملل الكتابة ؟ أظن لا حتى و إن أصابني ملل سوف أمسك بقلمي و أشكو وحي الكتابة كيف يتركني فريسة للملل سوف استدعيه مع كل كلمة اكتبها ربما أهزم الملل بالكتابة أيضاً
أرى أن الكتابة محصنة من كل شئ إلا أنها تعاندنا و تعاقبنا أحيانا بأن تتمنع علينا و هي راغبة فينا حتى نأتي لها مستسلمين.
" الكتابة تجعلني أكثر توتراً فأمشي دائماً متخفياً كمخبر سري يبحث في وجوه البشر عن قصة ما اكتبها كي استريح، للحظة اكتشفت فيها أنني أيضاً سارق محترف أسرق حكايات البشر و أخلطها بالاكاذيب كي اكتب قصة ما، فاستريح .... "
لو تأملنا تلك الفقرة حتى نهايتها نرى كيف تحول الكتابة عاشقها إلى مخبر سري ثم لص محترف فمخادع حتى إذا حصل على مراده لا يلبث فترة حتى يعود إلى الاحتياج لها سريعاً ليصبح كالمدمن مجنون يحدق في الوجوه و الأزقة يبحث عن جرعته ليهدأ و يستكين ، حتى و إن كانت الكتابة داء فسوف أتداوي بها كقول الشاعر " داوني بالتي كانت هي الداء.
● تسامح : " لا تدع أن تصيب السمنة قلبك "
متى يصبح التخلي فضيلة ؟ عندما نشعر أننا أصبحنا ثقال على الأخرين و نجد أنفسنا غير مرغوب فينا و يهاجرنا الأحباء و تتكاثر علينا الأمراض كفريسة كوننا ثقال الوزن ، علينا أن نصبح أكثر خفة حتى نصير كالريشة في حديثنا و تواجدنا فنصبح أكثر لطفاً و طلباً
كلما زاد وزننا ابتعدنا عن قلبنا حتى نجهله تماماً و لا نعرف للتسامح معنى و نزداد قسوة كن خفيفاً لتقترب من قلبك و تهاجرك أمراض القلوب و الجسد
تذكرت الصيام و كيف يحمي القلب من الجفاء و نشعر بالآخرين و يحمي الجسد أن يصبح فريسة هو أيضاً.
● حزن نبيل للقمر :
يحكي الكاتب عن صديقه الذي أصابه مرض في العضلات أقعده عن الحركة ما عدا أصابعه كان يحركها بشكل مدهش كلما عزف على البيانو، ربما إذا أردنا أن نحافظ على حركتنا نمارس كل ما هو جميل فندع القلب يحب الآخرين بصدق و العيون ترى الجمال و لا نسير إلا في الخير بين الناس.
● كم مرة سنبيع القمر؟ :
من يبيع القمر مرات لا يؤتمن على قلوب البشر، هناك من هم قساة القلوب لا يأبهون بكسر القلوب و بيع الوهم مهارتهم الخداع، فنحن لا نبيع القمر لكننا نتشاركه سوياً و هل نملك القمر ؟
● هدية للشيخوخة و النوم :
" فتحت الصندوق أخيراً فوجدت جرامفون و عشرات الاسطوانات التى كانت تقلقني بها مارجريت و رسالة كتبت فيها " هذه الهدية لك ستحتاج إليها في شيخوختك"
أحيانا لو اختلفت نظرتنا للأشياء التى تقلقنا لربما تصبح مصدر طمأنينة لنا نحتاج فقط للفهم الصحيح و أن نعيش الموقف فما نعتقد أنه يزعجنا ربما هو وسيلة الآخرين للتعايش مع الألم و الوحدة.
● بائعة الازهار السحرية :
تلك القصة تلخص قيمة الإنسان في الغرب، كم أشعر بالأسي على حالنا في وطننا و ما هي قيمتنا على أرضه ؟ و دفعتني تلك القصة أن أسأل عن ما هو الوطن هل هو ما ولدت فيه و أدفن فيه سواء حي أو ميت أم هو الوطن الذي يعترف بآداميتي و حقي في حياة كريمة ؟
لم يحدثنا الكاتب عن شعوره بالغربة بشكل مباشر لكن ربما نلتمس ذلك في كل محاولاته للهروب منها
في كل قصة سوف تجد تلك الكلمات مثل الورد و الشيكولاته و المزيكا و صوت رقيق يطرب مسامعك و هدوء و سكينة و حيوان أليف يصاحبك و جلوس على قهوة هل كل ذلك قادرًا على أن ينسينا الغربة أم يصبح كل ذلك أينما وُجد هو وطنك ؟
● زيارة للطبيب النفسي :
أن ما أصاب قلبك بالبرد هو جفاء المشاعر التى كان قلبك يتدثر بها، لا تحتاج إلى وصفة طبيب فقط تحتاج إلى قليل من المشاعر المفتقدة و كثير من الإنسانية حولك
● الاختيار :
كل غضب مهما بلغت شدته يمكن أن يزول بالأحلام و الأماني و أن الحياة قصيرة لتحقيق أحلامك فلا وقت لنحزن و نغضب، التسامح يجعل الحياة طويلة.
هذا الاقتباس قد أسرني بشدة : " مساعدة شخص مُحب يبحث عن أزهار لمحبوبته أمر يجعل الجميع في هذه المدينة الصغيرة يشعر بأننا نستطيع الحياة كبشر " قصص قصيرة تحمل مشاعر أكبر من كلماتها.
● اللغة و السرد : جاءت القصص بشاعرية مرهفة الحس ربما لأنها كُتبت بصدق و تلقائية خرجت من قلب الكاتب عن تجارب واقعية عايشها فتلقفتها القلوب.
#قراءات_٢٤_٤
#ريفيو_على_أدى
#ماجد_شعير