منحتنا الكاتبة الدكتورة دينا شحاتة رواية بديعة هي "ما ألقاهُ الطَّير"، حدثتنا عن الحرية والإرادة والمعرفة والاختيار، فاختياراتنا يمكن أحياناً أن تقودنا إلى الفراغ الداخلي.
هي حكاية مرام، ويتسلسل منها بالترتيب حكايات عزيزة وحدوتة ودونكا، وفي النهاية استدعت الكاتبة "خضرة الشريفة" من السيرة الهلالية إلى داخل الرواية كي تحل اللغز وتمنح السر الأعظم.
بدأت الحكاية عندما قررت مرام حضور جلسة تواشيح وإنشاد ديني لكتابة مقالها الجديد، سمعت آهات عزيزة ورأت الطائر الأبيض الصغير ودمعته، ثم أدركت أن الزمن متوقف لا يمضي.
طافت بنا دينا شحاتة بين الأماكن والأزمنة، وكانت الأبعاد الأربعة تتداخل وتتشابك مع مرام، التي اختلطت عندها أبعاد المكان والزمان، حين كانت أحداث الرواية تتقدم إلى الأمام وكان الزمن يتراجع إلى الوراء، عند ذلك استولت الكاتبة على حواسنا وإدراكنا فاستسلمنا للسرد وللراوي، نسير خلفه ونستمع إليه ونصدقه.
كانت الحكاية تتبادى لمرام بداية من الحاضر في القاهرة ورجوعاً مع فصول الماضي في الإسكندرية (١٩٨٧) عند نقطة لقاء النسوة جميعاً وهو عام مولد مرام، وفي المنصورة (١٩٦٨) مع بدايات حكاية المنشدة عزيزة وحفرة قلبها، وفي بور سعيد (١٩٥٧) مع بدايات حكاية المطربة الشعبية حدوتة وجابر، وكان الحكي في كل مرة يعود إلى عام مولد مرام (١٩٨٧)، حيث انضمت إليهن الغجرية دونكا بحكايتها والنبوءة المصاحبة لها وأبو الليل، إلى أن تأتي خضرة الشريفة، وحكاية أول طائر وحيد مع أول إمرأة خاوية.
كان الطائر في كل مرة يحاول أن يبوح بالسر الأعظم، وكان الخواء يطرح سؤال الوجود، هل التلاشي مرادف للفراغ، أم أن الفناء هو ما يصاحب الامتلاء الكامل ووجود هوية للذات المفقودة.
تنتهي الرواية عندما يمتلئ الفراغ داخل كل واحدة بالترتيب، عزيزة داخل حدوتة، وحدوتة داخل دونكا، ودونكا داخل مرام، وتعود مرام للحاضر وقد امتلأت نفسها وعاد إليها طعم الحياة، بعد أن امتلكت المعرفة، تلك المعرفة التي لا يحظى بها الجميع.
هي رواية محملة بأسئلة الوجود، تتركنا في النهاية نحاول تقديم الإجابة ونحاول الامتلاء بشغف تلك المعرفة.