السعادة الواقعية - إضاءة الجانب المظلم من الحياة | د. شريف عرفة.
دار النشر: الدار المصرية اللبنانية.
عدد الصفحات: ٢٨٠ صفحة.
التقييم: ٤ نجوم.
❞ ما الذي يدعوك للاستيقاظ كل صباح؟ ❝
عَزيزي قارئ المُراجعة؛
بدايةً، لستُ من مُحبي قراءة هذا النوع من الكتب، وقليلًا ما يُعجبني في التصنيف شيء، ولكن هذا الكتاب حاز على إعجابي.
يبدأ الكاتب بإخبارنا أنَّ الواقع يختلف عن المُثل العليا التي تعلَّمناها في المدارس، فمن جدَّ وزرعَ، قد لا يجد ولا يحصد.
إننا لن نستطيع تجنب الألم، مهما حاولنا؛ لذا يحدثنا الكاتب عن كيفية خلق السعادة وسط هذهِ الحياة الواقعية، المُغايرة لكل ما أردناه وحلمنا به دومًا.
الكتاب ليس أكاديمي بشكلٍ بحت، ولكنَّه أيضًا ذكر المراجع مع كل جزء، ليُخبرك أن حديثه، وكلامه عليه أدلة، وله مصادر إن أردت الاستزادة.
❞ عن تلك الأشياء التي لا يتحدث عنها أحد، رغم أنها تحدث لكل أحد! ❝
جميعنا نريد النهاية السعيدة، لا أحد يُحب النهايات الحزينة سوى في الروايات، أو في الأفلام، ولكن في الواقع، نحنُ من أعماقنا، نبحثُ دومًا عن النهاية السعيدة؛ لذلك نخطط ونعمل بجهد، ونسير على الدرب، لنصل إلى تلك النهاية.
ولكن.. ماذا لو لم تكن تلك هي النهاية السعيدة، أو ماذا لو تعقدت الدروب، أو فشلت الخطة؟..
يُخبرنا الكاتب أنه في حال حدث ذلك علينا تقبُل الأمر، والتصالح معه، ففكرة أن يسير كل شيء حسب خطة مثالية يتعارض مع تكويننا النفسي.
الحياة غير مثالية، بمشكلاتها، وخللها، لا يمكن لها أن تسير في خطٍ مستقيم على الدوام.
يقول الكاتب إنَّ السعادة نسبية، من شخصٍ لآخر، فما يسعدك، قد لا يسعد غيرك.
وأنَّها تتوقف على كيفية نظرك للأمور، فيقول أحدهم: «هناك من يتذمر لأن للورد شوكًا، ومن يتفاءل لأن فوق الشوك وردة»
سببٌ من أسباب وقوعنا في الاكتئاب، أننا نضع أهدافًا بعينِها، لو حققناها، نخبر أنفسنا بأن هذا ما يسعدنا حقًا، ولكن ماذا لو لم نحققها!
هنا يُخبرنا الكاتب بأننا بحاجة أن نفصل ما نريده، عما يسعدنا، لأن ربط الاثنين ببعضهما البعض لن يفعل بحياتنا شيئًا غير تعقيدها أكثر.
يضيف الكاتب أننا من نعطي للأشياء معنى، ونقرر ما تثيره داخلنا من مشاعر، ولهذا ليس من الجيد إلغاء المشاعر السلبية تمامًا، بل محاولة تقليلها، والتعامل معها.
لطالما آمنت بأننا يجب أن نعطي كل شعورٍ حقه، لهذا حينما نحزن، فلنعطِ الحزن وقته بشرط ألا يزيد عن حده.
كما يؤكد الكاتب أنَّه ليس من العقل أن نقارن نقاط ضعفنا، بنقاط قوة شخص آخر!
هذا غيرُ عادل، ولا يُحسب، فكما سبق وقُلنا السعادة نسبية، كذلك كل شيء آخر. لذا فلا يجب مقارنة أنفسنا بهذه الطريقة بالآخرين، وإلا ستنضب السعادة بالتأكيد، أو تكون مسمومة..
من الأمور التي أؤمن بها أيضًا أنَّه يجب أن يكون لدينا هدف نستيقظ من أجله كل صباح، حتى لو كان بسيطًا، هذا يجعلنا أكثر خفة، وأقل ثقلًا في الحياة بشكلٍ عام، وهذا ما عززه الكاتب.
يُخبرنا كذلك أن الأهداف المُتجددة تُساعدُنا على المدى الطويل، حتى لا يأتي وقت، ونتساءل فيه "من أكون وماذا أفعل؟"
منذ كُنا صغارًا يخبروننا أن الفشل عار، فلم نعتد أن نتقبَّل الهزيمة. على العكس يحثنا الكاتب على تقبُل الهزيمة، أجل سنحزن، أو رُبما أكثر من ذلك بقليل، ولكن ليس علينا جعل الفشل فرصة للوقوع في بؤرة الحزن للأبد، بل علينا أن نتعامل مع ما أخفقنا فيه، ونتدرب عليه اكثر.
اليوم هُزمت، ولكن غدًا قد تكون الفائز.
لذا، لا تجعل مشاعر الحزن، والهزيمة، توهمك أن حياتك انتهت، فهذا وهم بحد ذاته.
من الأمور التي فاجأتني، ولم تفاجئني في ذات الوقت قول الكاتب: ❞ بشكل عام، لا يسجل العرب درجات عالية في مؤشر السعادة العالمي، مقارنةً بباقي شعوب العالم.. ❝
يرسخ الكاتب أن التعبير عن المشاعر من أهم مسببات السعادة الواقعية، فصياغة ما نشعُر به في صورة كلمات يُساعدنا في فهمه، لذا لا يجب أن نصمت، ونكتم الشعور بداخلنا، فلنعبر عنه سواء في محيط نثق به، أو حتى نبوح للأوراق، المهم أن نعترف بمشاعرنا، وألا نتجنّبها فتتحول إلى اكتئاب تلو آخر.
❞ وكأنها دائرة مفرغة.. اكتئاب يؤدي للخمول الذي يؤدي لمزيد من الاكتئاب!
لذلك يكمـن الحـل فـي كسـر هذه الحلقة.. ❝
لذا علينا فعلُ أي شيء فحسب، بسيطًا كان أو غريبًا، حتى لو لم يكُن له علاقة بسبب اكتئابك، كل ما عليك فعله، على الاقل، هو الخروج من تلك الدائرة أولًا.
لماذا؟
يُجيب الكاتب على ذلك قائلًا: ❞ فكرة الانشغال بنشاط له نتيجة مستقبلية، يورثك شعورًا بالاستمرارية، يملأ يومك ويشغل تفكيرك عن مصدر القلق، ويعطيك جرعات متتابعة من الإحساس بالإنجاز والأمل والتطلع للغد. ❝
يُخبرنا أيضًا بأن الأشياء البسيطة التي تُسعدنا، لا ينبغي لنا أن نتخلى عنها، فهي مهربنا الأول دومًا حينما يضغطُنا كل شيء.
❞ أنت لازلت أنت ❝ مهما واجهت من مشكلات، مهما حصدت من ضربات، مهما كانت المصاعب، ذلك لا يعني أنك فاشل. فأنت من تواجه الأزمات، وليس هويتك.
وحديثًا عن التراكمات يقول الكاتب الصدمات المؤلمة قد تكون انتهت زمنيًّا، لكنّها لا تزال محفورة داخلنا، وتؤثر في حياتنا، وعلى تصرفاتنا. لذا، لا يجب علينا تجاهلها، بل محاولة فهمها، معرفتها والتعايش معاها، حتى لا تظل كالقنبلة الموقوتة داخلنا.
ولكن علينا فعلُ ذلك باللغة التي نفهمها، فبالنهاية، مشاعرنا هي من تتحكم بنا.
لذا إدراكك أن الصدمة النفسية قد انتهت، لن يجعلها تختفي بسهولة، فالمنطق ليس صاحب اليدُ العليا هنا.
❞ لو أردت السيطرة على أفكارك وحالتك المزاجية، فإن الجسد طريق مهم لذلك. ❝
لأن الصدمات النفسية مؤلمة، وعميقة، نلجأ أحيانًا إلى البرود، أو التبلد، لذا نجد الكثير من الأشخاص الذين يجرحون أنفسهم، أو يقومون بفعل أشياء متهورة، فقط ليعيدوا الشعور إليهم بأي شيء.
يُخبرنا الكاتب، أنّ الرياضة هنا، تساعد على عدم الوصول إلى هذا الطريق، وبعض الهرولة قد تقي من الاكتئاب.
لطالما آمنت بالعناق، في العادة، لستُ شخصًا يقدُم حلولًا، يساعد في المشكلات، ولكنني جيدةٌ في الإنصات، لذا من البديهي أن أول شيء يتبادر إلى ذهني، حينما يكون "عزيزٌ" لي يواجه مشكلةً ما، العناق.
أن أعانقه فحسب، علَّ عناقي يخفف عنه، ويخبره أنه ليس وحيدًا.
ولهذا أحببت جدًا، ذكر الكاتب لهذهِ الجزئية.
❞ الحقيقة أن هناك أشرارًا في هذا العالم..
أو لنقل، أشخاصًا من ذوي النفوس المظلمة. ❝
لذا يُخبرنا الكاتب، أن وجود مبررات لكل شخص، لا تعني أنها صحيحة، وأنه يجب أن يؤخذ بها.
لذا علينا عدم التسرُع في فعل أي شيء، وأخذ وقتنا في التفكير.
يُخبرنا كذلك بأننا لا يجبُ أن نضحي بسعادتنا من أجل الآخرين، مهما كانت درجة قُربهم منا، لأن ذلك في النهاية سيؤذي حياتنا، وبالتالي فالأذى سيلحق بكل شيء حتى نحن.
في النهاية، نحن بشر، لسنا ملائكة، أو ذوي قوى خارقة، لا يمكننا فعلُ المستحيلات، أو تغيير الكون، وهناك العديد من الأشياء التي تحدث، لا يمكننا التحكم، أو السيطرة عليها، لذا علينا التعايش مع الأمر، ومحاولة خلق سعادتنا الواقعية لا المثالية.
وأخيرًا أخبركم نصيحة، قالها لي صديق ذات يوم، والتي أكد عليها الكاتب: اختر معاركك، فـليست كل معركة تستحق أن تخاض.
#ترشيحات_سلحفاة_قراءة 🐢📚