يزل الغزالي يعد من أهم مفكري العالم ومن أكثر العلماء المسلمين تأثيرًا على الإطلاق، سواء في الغرب أو الشرق، بل أكاد أجزم أنه أكثر مفكر تمت الكتابة عنه في كل العالم حتى بعد موته بأكثر من ألف عام. تُرجمت الكثير من أعماله لكل لغات العالم. ❝
رواية عن الإمام الغزالي وحياته..
اختلف الكثير عليه أثناء حياته وبعدها ولكن لا أحد يستطيع الإنكار أنه كان رجل دين وفكر مؤثر.. كلماته الصادقة مازالت خالدة إلى الآن وربما ستبقى بعدنا.
تأخدنا الكاتبة في رحلة تاريخية الحدود إنسانية الصميم تتبع رحلات الغزالي منذ طفولته إلى وفاته وتبني على هذة الرحلات تخيلات لكيف كان الغزالي كإنسان عادى رغم نبوغه.
اللغة جميلة فلسفية ربما يمل البعض منها أحيانًا ولكنها مناسبة جدًا للشخصية التي نتكلم عن حياتها.
-انبهرت بأن الغزالي بدأ رحلته في عمر الرابعة عشر فقط! واتحسر على زمن كنا فيه متعطشين للعلم والمعرفة وأتعجب دومًا من بشر مثلنا ولكن حباهم الله ملكَات جعلتهم غير عاديين.
كان في طفولته قويًا يرتحل لطلب العلم هو وأخوه ويلتحقوا بالمدرسة النظامية ليسطع نجم محمد الغزالي بين المعلمين والطلاب.. كانت بدايات لكونه معروف باسم حجة الإسلام.. يعشق المجادلات ويجد لذته الكبرى في الانتصار على أخصامه فقط بلسانه!
-فترة شباب الغزالي كانت محمومة حتى بالنسبة لشخص مثله أن تصل لمثل مكانته أن يزيع صيتك في البلاد كلها في هذا الزمن.. أن تُعرف عند الملوك والأمراء وتُطلب مشورتك أن تملك القوة والسطوة بكلماتك وعلمك. كل هذا وهو في ثلاثينياته!
كان الشك يأكل قلب الغزالي منذ طفولته لكن الداء استفشى في القلب مع زيادة العلم وزيادة القوة والسلطة.
أعجبني أن الكاتبة أظهرت أنه مهما كان رجال الدين نيتهم صادقة في الإصلاح إلا أن اختلاطهم بالساسة يفسد قلوبهم..
كان منتشر في الدولة الإسلامية وقتها فكرة تمييع الأحكام الشرعية لأجل أهواء الحُكام.. يبدو أن الغزالي حاول ألا يحدث هذا ويمكن حافظ على وعده ولكن ليس تمامًا.. قلبه كان دائمًا يلومه على حبه لمنصبه.
شهوة السلطة والمنصب تطغى في نفس الغزالي لمجرد وصوله لمنصب إمامه بغداد كان صعبًا عليه أن يتنازل عن هذا الجاه وعن كونه الإمام الأعظم.
حياة الغزالي ترينا معاناة مجادلة النفس ومحاربتها ومحاولة تقييمها وتطويعها.. جهاد النفس المنغمسة في الملذات أعظم جهاد..
-الغزالي كان لديه كل شيء علم وجاه وشُهرة وبيت وأولاد.. حقق ما يتمناه في وقت قياسي كلمته مسموعة في أي مكان.. لكن القلب!
القلب كان عليلًا لدرجة أسقمت الجسد.
رحلة الغزالي الأولى كان على المذهب السني الأشعري وكان يهاجم الباطنية بشراسة ومتعصب لمذهبة ويستطسع نصرته بالحُجة على غيره من المذاهب.
-عندما أعياه القلب والروح قرر ترك كل شيء والارتحال والعزلة بحثًا عن دواء لداء قلبه و علّته.. قرأ في الصوفية ووجد ضالته فيها وكتب عنها وتكلم بها وهنا كان بداية الهجوم عليه..
الصوفية المعتدلة التي تتكلم عن الحب الإلهي والتقرب إليه بالذكر وعدم ترك القلب ينغمس في الدنيا.. أتمنى أنه كان من أهلها..
وسبحان الله شهرته وكلماته تزيد وتنتشر أكثر وأكثر.
-في رأيي الغزالي حياته كلها كانت معاناة بصرف النظر عن علمه وذكاءه ورجاحة عقله وشخصيته الفريدة.. كل هذا لا يشفي القلب الحائر الذي يُشكك في كل ما يأتي به العقل.. ولا بد أنه ارتاح عندما وجد ضالة قلبه..
تخيل أن تحقق كل أمانيك ولكنك لست مرتاحًا وصلت لما ظننت أنك تريده ولكن يؤرقك شعور مجهول يتآكلك من الداخل..
- ما كان فريدًا بشأنه أنه كان يخاطب العقول على قدرها.. يعرف أن هناك كلمات ليست للجميع ليست لنفوس العامة.. كانت لديه كلمات للعامة وأخرى للخاصة الذين ارتقوا في العلم درجة.. وليس لتناقض في كلماته ولكن لجعل كل يخوض رحلته الخاصة على قدر علمه ومعرفته ويرتقى في مقامات العلم بجهده.
-الرواية كانت رحلة عظيمة واللغة جميلة وتصل للقلب مباشرة.. حزنت في النهاية على مرضه وموته وكانت مشاهد وداعه لعائلته وأخوه صعبة جدا..
أحببت الرواية وأحببت ما عرفته عن الغزالي وما جعلتني أبحث عنه وأعرفه أكثر وخلق الرغبة في قراءة كلمات مثل هذا الرجل العظيم.
اقتباسات :
❞ من يملك عقلك ربما يصل إلى المجد، ولكنه يحيا معذبًا بالمعرفة. ما يساعدك على الوصول هو ما يهلكك أيضًا، الدواء هو الداء؛ عقلك. تذكر هذا. من يملك مثل عقلك لابد أن يحيا بين تهتك الفكر وغيابات الشك. لا نجاة لمثلك من الجنون أو اليأس. لن تجد الحقيقة؛ لأنها داخل بحر مغرق يا فتى، تحف أطرافه شواظ نار. ❝
❞ أنت مثلنا تتسائل دون أن ترتوي. ربما تكون الإجابة في كتب الفلسفة، أو ربما لا توجد إجابة. أسئلتك تنم عن عقل ذكي يدرك أن التناقضات بيننا تدل على أن الحقيقة ضائعة. لا حقيقة في هذا العالم يا أخي.❝
❞ -العقل قادر أم ليس قادرًا يا إمام؟ أنت تناقض نفسك.
-قادر وليس بقادر. معرفتك بالله محدودة، وهو لا حدود له. لو ظننت أن معرفتك تشمل كل العلوم فأنت مغرور، ولو أدركت عجزك عن إدراك كل شيء كنت عاقلًا. «العجز عن درك الإدراك إدراك». ❝
❞ ما معنى الدنيا؟ وما غايتها يا محمد؟ خضت كل علم، ورجعت تقلب كفيك على ما راح منك. لِمَ الحزن؟ لا أحد يستطيع أن يمسسك بسوء. أنت بخير، أليس كذلك؟ مثلك مثلهم تبحث عن نجاتك فقط، فليذهب الجميع إلى الجحيم، ويعش الملك والسلطان والخليفة والإمام. هل تحكَّم الهوى وتمكَّن يا محمد؟ ❝
❞ بدأت أكتب كتابًا غير كل ما كتبت، هذا كتاب إحياء؛ لأن الناس موتى من حولي، ولو لم أساعدهم فلن أدرك الحقيقة أبدًا. أدركت حينها عجزي عن إدراك الحق مادمت أنا هنا أصارع نفسي فقط ❝
❞ من يقرأ للغزالي يعرف أنه يكتب لأكثر من قارئ؛ لقارئ عام وقارئ خاص. وما يكتبه للقارئ العام غير ما يكتبه للخاص، والسبب في هذا هو أنه كان دومًا يحاول الحفاظ على عقيدة العامة، وعدم تشتيت فكرهم أو تلبيس اعتقادهم. ❝