ابنة الديكتاتور : مستوحاه من أحداث حقيقية طمست عن عمد > مراجعات رواية ابنة الديكتاتور : مستوحاه من أحداث حقيقية طمست عن عمد > مراجعة Hesham Wahdan

هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
5

الرواية في سطور:

- رواية ذات ابعاد مختلفة. سياسية في اطارها العام ، اجتماعية وانسانية في المضمون.

- قدم الكاتب مزيج مدهش من الرواية والسيرة الذاتية يتمثل في خلق احداث درامية مبنية على مذكرات شخصية تركتها صاحبتها ولم تنل الاهتمام الكافي ولم يُسلط عليها الضوء بهذا الوضوح من قبل.

- استخدم الكاتب العامية للحوار ليعطي للقارىء شىء من الحميمية اثناء القراءة حتى لا يشعر انه امام رواية ثقيلة الوطء.

- الشخصيات جاءت غنية بالتفاصيل وكانت ذات بناء درامي جيد جداً خاصة فيما يتعلق بالشخصيات الرئيسية للرواية.

- الختام جاء ليفسر العديد من الأمور التى تم ذكرها في المذكرات وكانت مبهمة بعض الشىء لكن قدم الكاتب ما يشبع فضول القارىء.

-------------------------

مراجعة الرواية:

كعادة كتابات مصطفي عبيد يغوص بنا داخل رحلة تاريخية مفعمة بالتفاصيل والوثائق التي يحب أن يضعها في نصوصه ، وهي كما تُعطي مصداقية على بحثه وجهده في الوصول إلى أقرب صورة تاريخية منظبطة لما يرويه. إلا أنها تؤكد أيضا على موهبة وخيال كبير حيث كشفت عن قدرته على خلق مشهدية عالية من مجرد سطور صغيرة في كتاب تاريخي هنا أو هناك أوحت له بصنع مشاهد عظيمة احتاجت خيال وآفاق واسعة لتحيل ما هو تقريري صحفي إلى ما هو فني عميق ذو أبعاد إنسانية ، لذلك جاءت تلك القصاصات في نهاية كل فصل أو فقرة كتأكيد على براعة مصطفي عبيد الروائى تماماً كمصطفي عبيد الباحث والصحفي.

- الحبكة:

في هذه الرواية يدخل عبيد منطقة جريئة لكن قد يكون الكثيرون على دراية بها وتفاصيل القضية المعروفة بمحاسبة فساد الجهاز وقد تناولها أيضاً وحيد حامد مع المخرج عاطف الطيب في فيلم في أوائل التسعينيات كاشفا عن الوجه القبيح لتلك العمليات لكن هنا وفي تلك الرواية يقدم عبيد تفاصيل مختلفة غير أن العنوان التسويقي الذي تعمد كتابة ( أحداث طُمست عن عمد ) يعد القارئ بأحداث كبري وحقائق خفية وهو ما يبدو تسويقيا إلى حد كبير حيث لم تكشف الرواية عن خبايا كبيرة أو أحداث مجهولة إلا في الجزء الخاص بمحاولة الإيقاع ببعض الأدباء والفنانين من قبل فتيات تلك الشبكة ، وأيضاً الجزء الخاص بعمل البوليس السياسي ما قبل ١٩٥٢ بنفس الطريقة التي اسُتخدمت فيما بعد ثورة يوليو . فيما عدا ذلك لم تقدم الرواية معلومات جديدة اللهم إلا لمن لا يعرف شئ عن تلك القضية من الأساس فمن الجائز أن تكون التفاصيل جديدة عليه. هذا بالنسبة إلى متن الموضوع ، وهو أيضاً ما لم يتم طمسه كما كتب على الغلاف حيث تمت مناقشة القضية كما ذكرت في العديد من الكتب والافلام الوثائقية والسينمائية التي تناولت هذه الفترة من عمر الوطن.

- السرد والبناء الدرامي والحوار:

أما البناء الفني وهو هنا شديد الدهشة إذ يتنقل بنا الكاتب ما بين زمنين ومعضلتين حيث حياة الحفيدة الطبيبة فيروز الصاوي و الجدة سناء بكاش ، بخفة وسرد متقن مشوق حتى وإن بدت الأحداث معروفة ومتوقعة حيث كان إيقاع النص ذو جاذبية خاصة ، إذ حرص عبيد على تنوع اللغة ليعطي لكل شخصية فيهم القدرة على التعبير عن نفسها بما يتناسب مع روح العصر ، ساعده على ذلك أيضا مغامرته بكتابة الحوار باللغة العامية وهو ما أضفي نوعاً من التنوع في استخدام الجمل الحوارية وجعل الشخصيات تختلف في بناءها ورسمها الذي جاء رائع بلا شك معبر عن أزمة كل منهم ، صنع عبيد في تلك الراوية حبكتان متوازيتان تسير فيهم الأحداث تتقاطعان وتتوازيان.

فبين الحفيدة التي تكتشف مصادفة سر جدتها لتبحث عن هذا الماضي الدفين وسر حزن الجد في أيام مرضه الأخيرة ، وما بين الجدة سناء بكاش التي تقرر كتابة مذكراتها بعد إصابتها بمرض عضال ينهي حياتها نستطلع التاريخ والحاضر في آن واحد. إذ برع عبيد في الربط بينهم وإن بدت الحبكتان كل تدور في فلك ، غير أنه بخبرة روائى مبدع قد جعل العالمان يتماهيان مع بعضهم البعض ، رغم طول الفصول التي تحكي كل عالم على حدا غير أن ذلك لم يشتت القارئ ويجعله في حيرة من تدافع التفاصيل وتضاد العالمين ، اعتمد عبيد على حيلة سردية محببة إليه استخدمها قبل ذلك وهو زرع نفسه داخل النص الروائى لتبدو الحيرة جلية طوال الرواية ، فيتردد السؤال هل هي قصة حقيقية مائة في المائة حدثت فعلاً تفاصيلها كما رواها ام أن الخيال حاضرا وبقوة وهو ما خلق حالة إيهام جعلت الخيال يبدو واقع والواقع يبدو الخيال وهي قدرة تحتاج إلى صاحب خبرة وتمرس في فن كتابة الرواية.

- الشخصيات:

نقطة من النقاط الهامة في العمل قدرة عبيد على وصف مشاعر الأنثي بمهارة فائقة سواء في شخصية فيروز الصاوي بما تحمله من روح العصر الحالي وتمرده والتيه ومحاولتها الدائمة في التصدي لفساد المنظومة أو حتى في وصف مشاعرها المعقدة كأنثي ؛ أيضاً أجاد عبيد التعبير بصوت الأنثي في الماضي بشخصية سناء بكاش والتي تكتب بنفسها مذكراتها ملتقطا صوتاً ولغة ومفردات تليق بهذا العصر من كل النواحي كما أجاد صناعة ماضي للشخصية ثري وشديد العمق والتفاصيل جعل من تطور شخصية سناء مذهل ومنطقي ومقنع إلى حد كبير غير معتمد على الصدفة أو خلق مواقف درامية غير مبررة فمن قريتها في كفر الشيخ إلى مرافقة السيدة الأجنبية التي كانت نقطة تحول في مسيرتها وحياتها ثم سفرها إلى القاهرة ونقطة التحول للعمل مع شخصيات هامة وتشكيل الشبكة رحلة ممتعة غنية بالتفاصيل تكشف أبعاد إنسانية ، التقطها بعناية شديدة وأجاد تضفيرها داخل حبكته الغنية بالمعلومات وأن كانت كما ذكرنا معروف الكثير منها لمن قرأ وتعمق في تلك الحقبة الزمنية. تفاصيل أيضاً قصة الحب وزواج سناء من الجد جاءت مختلفة تماماً وغير نمطية إذ كانت أقرب إلى روح الصوفية وبها طريقة روحانية جعلت من هذا الجزء شديد العذوبة يحمل طابع خاص عن باقي أجزاء الرواية فقد عبر عن قصة حب داخل العمل الذي يبدو سياسي في إطاره العام بلغة شاعرية وطريقة لم تعمد إلى الطرح التقليدي (( الاكليشيه)).

- النهاية:

جاءت النهاية مترابطة ، تعبر عن إحكام تام بتفاصيل الحبكة حملت بُعدا إنسانياً مؤثر ولحظات شجن من نوع خاص تلمس القلوب.

-------------------------

ملاحظات عامة:

- شاب النص بعض الهفوات التي لم تفسد عملية المتعة ولا تذوق جماليات النص ، إذ جاء التنقل في مذكرات سناء بكاش سريعاً تتقافز السنوات في فقرات قليلة عابرة مساحة كبري من عمر الشخصية تجاهلها الكاتب كليا ربما لأنه أراد التركيز على حقبة بعينها ، وإن كان من وجهة نظري فإن الضرورة الفنية التي اعتمدت على كتابة سناء لمذكراتها كانت تحتم أن تفتح سراديب حياتها كلها خاصة في الأجزاء التي تلت خروجها من الشبكة وانصراف الاضواء عنها وهو ما جعل نهاية مذكرات سناء بكاش تبدو مبتورة نوعاً ما دون نهاية لخطها الدرامي الذي عمد الكاتب إلى إغلاقه بنهاية متوقعة كلياً.

- جزء آخر ربما لم يلتفت له البعض وهو قدرة عبيد على إسقاط الماضي على الحاضر فالعودة للماضي لا تكون مجاناً وخاصة في الجزء الخاص بصناعة نجومية سناء بكاش وتحويلها إلى نجمة في الوسط الثقافي وهو ما يتماس ضمنياً مع الوضع الحالي شارحا بقدرة فائقة كيف يتم صناعة نجم جماهيري من العدم.

-------------------------

خاتمة:

الرواية رائعة بلا شك ذات أساس متين تشتبك مع الواقع وتعيد ترتيب الصورة التاريخية للمرحلة لنشاهد من زاوية أخري صورة أخري وإن كانت الحقائق كلها واحدة.

Facebook Twitter Link .
0 يوافقون
اضف تعليق