الثالث عشر من مايو شهر ميلادي
وعليك السلام ياصاحبي
لقد انتهت للتو جولة من جولات كثيرة خاضتها مقاومتنا في غزة وإن إنتهاء هذه الجولة لايعني الفراق الأبدي للحرب إنما هو فراق مؤقت فكما تعلم حربنا مع العدو كر وفر والجهاد لابد منه ولامفر.
انتهت الجولة التي قد نحسبها باردة نوعا ما فلم تكن كسابقاتها من جولات ولكنها لم تكن كذلك البتة فقد كانت حارة مليئة بالخسارة.
حارة على أم الشهيد، وابن الشهيد وابنة الشهيد وطفلة الشهيد وزوجة الشهيد وأهل وأقارب الشهيد وكل من له علاقة به حتى ذلك الطفل الوليد الذي يعتقد الجميع أنه الناجي الوحيد ولكنني ما ألبث أن أفكر مثلهم فيغزوني الفكر هل نجى حقاً؟! هل كان عليه أن لا ينزف دمه حتى يقال له نجوت؟ يالها من نجاة مبطنة كيف سينجو باقي عمره ؟! كيف سينجو والفقد كل الفقد في قلبه! أجزم أنهم نجوا جميعاً وحده كان الشهيد !
كما قال محمود درويش
لم أجد سَبَباً لأسأل: مَنْ هُو الشخصُ الغريبُ؟
وأين عاش, وكيف مات [فإن أسباب
الوفاة كثيرةٌ من بينها وجع الحياة]
قرأت اقتباسا لامس شغاف قلبي دونت إحداهن: "فاز في هذه الجولة بضعٌ و ثلاثون ، وصلوا إلي نهاية السباق على الحياة بارتقاءٍ جليل ، حاول إلي ذلك قرابة المائتين ، وخسر بقية المنتظرين"
رحم_الله_السعداء
من مات هُوَ وحده
الشخصُ الذي لم يَبْكِ في هذا الصباح،
ولم يَرَ الموت المحلِّقَ فوقنا كالصقر...
[فالأحياء هم أَبناءُ عَمِّ الموت، والموتى
نيام هادئون وهادئون]
كانت جولةً مليئة بالخسارة لمن فقد بيته نردد دوما المال يعوض ولكننا نعلم كم يدفع الغزي مقابل بيته وكم من العمر يستغرق لقاء هذا البناء قد يبيع كل ما يملك ليستعد لحماية ما لايملك لذلك أعتقد أن هذا النص وهذه الجملة لم تعد صالحة للموساة لم تعد تفي بغرضها وأرى أنه من واجبنا تقديم العزاء لمن فقد بيته وملاذ راحته وان كان لم يزل يحمل روحه فهو يحملها على راحته ليس إلا.
أكتب الان عن نهاية هذه الجولة ويفصلنا يومان عن ذكرى النكبة الخامس عشر من مايو وكلنا يعرف معنى النكبة يوم هُجرنا من أرضنا قسرا هانحنُ حتى اللحظة ندفعُ ثمن ذلك نحاول ونحاول أن تكون الذكرى تاريخُ العودة لما تركه الأجداد، بجولات متكررة نجاهد حتى نستعيد البلاد كل البلاد بأيد الأحفاد وأن نغرس فيهم قيماً وطنية ومعنى أن فلسطين ستعود يوماً حرةً أبية كما قال الرنتيسي "فيافا كغزة والجليل كالخليل وتل الزهور كرفح لانفرق بين شبر وشبر من الوطن"
أحاول الأن أن أبتعد بقلبي وأن أبحث عن نجاتي النفسية بعيدا عن المواقع الافتراضية وقصص ومآسي الحرب الواقعية.
أردت الحديث إلى الكتب فوجدت العنوان السلام عليك ياصاحبي وأخذت ألتهم الصفحات واحدة تلو الأخرى وأجدني كلما قرأت سلاما يصلني وأرد عليك السلام بما يوازيه من كلام.
لقد كتبتَ في مطلع كتابك أنه إهداء لكِ أنتِ ولانني في الآونة الأخيرة أبحث عن من يهديني كتابا فأعتقد أنك أنت فعلت أعلم أنك لاتعرفني ولربما لن تعرفني ولكن كلماتك تعرفني ارتئيتُني بين السطور والكلمات لقد شخصنت الإهداء واسمح لي برد السلام من بين الزحام فهذه وصية خير الانام اذا لقي أحدكم أخاه فليسلم عليه وإني وإن لم ألتقيك وجها لوجه فقد التقيت بكلماتك فدعني أبدأ بقولي
وعليك السلام يا صاحبي !
سلاماتك الكثيرة كانت مفعمةً بالمعاني التي تنهمر على القلب كما لو أنها أمطارٌ غزيرة تختتم كل سلام فتقول السلامُ لقلبك
فتحطُ برداً وسلاما على قلبي.