ابنة الديكتاتور : مستوحاه من أحداث حقيقية طمست عن عمد > مراجعات رواية ابنة الديكتاتور : مستوحاه من أحداث حقيقية طمست عن عمد > مراجعة Rudina K Yasin

هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
5

رقم ثمان وتسعون/2024

ابنة الديكتاتور : مستوحاه من أحداث حقيقية طمست عن عمد

مصطفى عبيد

تطبيق ابجد

""ولولة اخترقت أُذني، فلم أنكرها، فكم قابلتها في هذا المكان المتسربل بأردية الحُزن، المُزدحم بأجساد هزيلة، تصلح صفرتها لونا رسميا لأبناء ريف مصر على مدى قرون. صعدت سلالم المُستشفى الجامعي بالمنصورة، مبنى عتيق مُرمم، تبث جدرانه كآبة واسعة تناسب زمنا محزنا نندهش أننا عشناه. امتلأت ضجرا من هذا المُدير كالح الوجه الذي تستفزه كُل أنثى طموح، فيزدريها كزائدة دودية لا يعرف طبيب متخصص في الأمراض الباطنية قيمة وجوده""

""ما البشر في دورانهم المنفعل سوى نفوس مُحملة باحتياجات تسعى لتلبيتها دون اكتراث لزمن يمضي أو عمر يتقدم""

السلطة والنساء

قال الكاتب المصري مصطفى عبيد في لقاء صحفي للحديث عن الرواية الصادرة عن الدار المصرية (لا يبوح التاريخ بأسراره كلها دفعة واحدة، وإنما يتكتم على أخطرها، يبقيه بعيداً من الضوء، حتى تفرض الحقيقة سطوتها، فيتحرر السر ويكشف عن المستور. ولأن الاضطرابات كانت السمات الأبرز للقرن الماضي من تاريخ مصر، فلا تزال تلك الحقبة تحتفظ بكثير من أسرارها وأهوالها التي يتكشف جانب منها في هذه الرواية )

إلى أي حد قد يذهب الإنسان لخدمة الوطن وحماية النظام من المؤامرات؟ تنظيمات سرية بداخل مؤسسات أمنية تحارب تنظيمات بداخل نفس المؤسسة، فتاة تقتفي أثر جدتها لتكشف عن خبايا وأسرار شائكة اختفت لعقود وسيدة غلبت كل الكبار ورجال السياسة ليهزمها الزمن وتستسلم للمرض.

عدت بذاكرتي الى الفنانات المصريات و قصص الفساد وخاصة كتاب انحرافات صلاح نصر للفنانة او الكاتبة اعتماد خورشيد فالكتاب صادم تحدث بعمق عن تلك الفترة وسعاد حسني ومحاولات صفوت الشريف وما فعله بها ومن هنا نذهب لشخضية عبيد حكاية سناء بكاش وألاعيب المؤسسات الأمنية والتنظيمات السرية داخل الدولة، الممارسات غير الأخلاقية تحت مسمى مصلحة الوطن، تسجيل وتصوير وتلفيق تهم.. كل ما تتخيله قد حدث بالفعل وقد ظن فاعلوه أنهم "صمام أمان هذا الشعب" ونصبوا أنفسهم أبطالًا يحمون الوطن. قد تكون سناء بكاش بطلة وطنية حقًا لكن لها أخطاء كسائر البشر وقد وقعت هي الأخرى ضحية لهذه المؤسسات منذ الصغر وحتى أخر أيامها. سيستمتع القارئ بمحاولة تخمين الأسماء الحقيقية للشخصيات بينما يتابع مذكرات السيدة بكاش الشيقة، بعضها مباشر وسهل والبعض مبهم بشدة.

نجح الكاتب في توظيف شخصيات عامة في أحداث الرواية حقيقية كانت ام خيالية لا يهم بل إن الكاتب نجح في دمج شخصيته داخل الأحداث! ويعجبني كيف أنه داعب ذاته والقراء في أكثر من موضع كوصفه لنفسه بأنه "مغرور يبحث عن الشهرة" على لسان البطلة.

هنا دلالة رمزية، تشي بأن الانحرافات الأخلاقية للأجهزة الأمنية نتيجة منطقية وابنة حتمية لأي حكم ديكتاتوري. وخاصة في زمن عبد الناصر لقد غلّف الكاتب سرده بمناخ من التشويق عبر توطئة استهل بها النص تخبر أن الرواية مستوحاة من أحداث حقيقية، وعزز ذراع الحقيقة في حبكته المتخيلة عبر شخوصه الثانوية الحقيقية التي يعرفها التاريخ، مثل حسن رفعت، أحد أهم عناصرا لبوليس السياسي في ذلك الوقت، ومصطفى أمين مؤسس "دار أخبار اليوم" الصحافية والعقّاد وإبراهيم ناجي.حتى إنه دفع بنفسه كشخصية ثانوية في النص وحقق الغاية نفسها عبر استدعائه أسماء وأحداثاً حقيقة مثل تأميم "أخبار اليوم" والقضاء على جماعة "إخوان الحرية" وحل جماعة "الإخوان المسلمين" واغتيال محمود باشا النقراشي، وما طعّم به نسيجه من قصاصات ووثائق منشورة. أما استهلاله باقتباس للكاتب التشيكي فرانز كافكا "إن أسوأ ما في الأمر ليس تبصّر المرء بأخطائه الواضحة، بل تبصّره بتلك الأعمال التي اعتبرها ذات مرة أعمالاً صالحة"، فقام عبره بالتمهيد لما ساقه من أحداث تخبر عن جرائم وانحرافات ارتكبت خلال القرن الـ20 تحت شعار البطولة وخدمة الوطن.

صفحات الرواية : منح الكاتب صوت السرد لشخصيته المحورية "فيروز"، الطبيبة الشابة التي تعمل في أحد مستشفيات مدينة المنصورة (شمال مصر)، وهي المدينة التي اختارها الجد للإقامة فيها فور عودته من الكويت، مصطحباً حفيدته في مهدها بعد موت أمها وتنازل أبيها عن رعايتها. ثم انتقل صوت السرد إلى الجدة الراحلة والمجهولة "سناء بكاش" عبر مذكراتها التي حصلت عليها الحفيدة مصادفة.

ومرة ثالثة انتقل صوت السرد إلى الجد عبر رسالة تركها لحفيدته قبيل وفاته. وكما كان تعدد الأصوات مناسباً لتباين الشخوص وتعدد أزمنة السرد، فقد عزز عبيد امتلاكهم صوت الحكي وقدرتهم على البوح والكشف عن الأسرار، وأكسب هذا البوح درجة عالية من الصدقية والحميمية. واتسق استخدام ضمير المتكلم مع السيكولوجية المعتلة لشخصية "سناء بكاش" ولجوئها إلى "التبرير" كحيلة نفسية تنتهجها الشخصية التي تسقط في براثن الخطأ، ولم يكُن لراوٍ عليم أن يقوم بهذا الدور، إذا ما أوكله الكاتب إليه.

"سامحيني يا سناء"، هذه العبارة كانت الخيط الذي قاد "فيروز" إلى اكتشاف هوية جدتها الحقيقية والحصول على مذكراتها. وكانت أيضاً الاستباق الأول الذي دفع عبره الكاتب التشويق إلى النص، مثيراً فضول كل من البطلة والقارئ لمعرفة حقيقة "سناء" وطبيعة الذنب الذي اقترفه الجد بحقها "هل من الممكن أن يكون وراء الأمر جريمة ما؟ خيانة مثلاً؟ هل قتلها، ثم سافر إلى الكويت؟ هل انتقم لشرفه وهو ابن لمجتمع بدوي؟ هل ندم بعد ذلك وشعر أنه تسرع في حكمه؟" ثم تلت هذا الاستباق، استباقات أخرى زادت من مناخ الضبابية والغموض والتشويق، مثل الاستباق بالإشارة إلى مهاتفة الجد لامرأة غريبة وإرجاء الكشف عن هويتها وعلاقتها بالجدة والاستباق بتشابه اسم الجد مع اسم كاتب بعض المقالات في مجلة قديمة كانت تصدرها "سناء بكاش"، وكذلك الاستباق بلغز أحلام الجد في شبابه التي كانت سبيله لمعرفة الحقائق عن زوجته، وتشكك الحفيدة "فيروز" في هذه الأحلام، والطريقة الحقيقية التي مكَّنته من الحصول على المعلومات وإرجاء حل هذا اللغز إلى المرحلة الأخيرة من السرد. وعمد إلى تكرار استعادة مشاهد من طفولة "سناء" لإضاءة سيكولوجيتها، وما ألمّ بها من هزات نفسية، عززت استعدادها للتخلي عن الثوابت والقيم الأخلاقية: "ما أتذكره من سنوات الطفولة باهت، كئيب، لا يتجاوز شريطاً ضيقاً من الذكريات المريرة الممزوجة بذُل الحرمان، لذا فلا تغادرني أبداً مسيرة كل جمعة مع إخوتي وبعض الجيران، يحمل كل منا الكوز الصفيح الصدئ لمسافات طويلة سيراً على الأقدام نحو بيت الشيخ عاشور، حيث تُطهى الطيور يوماً في الأسبوع، لتصب لنا زوجته بعض المرق فنشربه لتقوية أعوادنا".

اتسمت صفحات الرواية بالصراع بين الاحزاب والجنود والمخابرات والمراة والحرب والثورة والملك كبل شيئ دخل ببعضه وكه سبب كله . وعكس هذا الصراع سواء على المستوى الخارجي بين "سناء بكاش" والضابط الذي قام بتجنيدها، وبين أحد رجال المؤسسة الأمنية في ذلك الوقت ومحامٍ لم يقترف ذنباً سوى أن زوجته كانت جميلة. أو، في الزمن الثاني للسرد، بين "فيروز" الطبيبة ورئيس قسم الباطنة المريض بالذكورية وازدراء النساء. كما أضاء الكاتب بعض الصراعات الداخلية في عوالم الشخوص كالتي اندلعت داخل "سناء"، فانقسمت بين شعور بانحطاط أفعالها وتبريرها بخدمة الوطن وبين رغبتها في الحب ونأيها عنه وبين الحرص على زواجها وولائها لعملها وبين غضبها على زوجها الهارب بابنتها الوحيدة وارتياحها لفعلته التي أنقذت الابنة من مناخ فاسد كهذا، وبين قناعتها بصواب ما فعلت وشعورها بالندم ومحاولة التكفير عن أفعالها بالتقرب إلى الله.

كذلك كان للحفيدة الشابة نصيب من هذا الصراع والانقسام، بين استنادها إلى العلم في تفسير كل ما يحدث حولها وبين تشككها وركونها إلى الغيبية بعد عجز المنطق عن التفسير. وأضاءت هذه الصراعات تناقضات النفس الإنسانية بين خير وشر وضعف وصلابة وعطف وقسوة وحقد وغفران وأنانية وإيثار. وكان المونولوغ الداخلي، أحد وسائل الكاتب الناجعة في استجلائها. وهذا الزخم من الصراعات على المستويين الداخلي والخارجي .

مزج الكاتب في بنية نصه بين الرواية والرسالة والمذكرات. واستدعى شخصية المتنبي ومنحه حضوراً كثيفاً داخل السرد، بل وظَّف شعره في خدمة الأحداث وفي تمرير بعض الدلالات الرمزية عن الظلم والتماسك والقوة والصبر والكبرياء، وعن تراوح الحياة بين فرح وترح. واستدعى كذلك بعض القصص التراثية، منها ما يتصل بالمتنبي أيضاً، مثل قصة الأمير الثري الذي جار على بائعة السمك البائسة، فقال فيه "رأيت الذئب يحلب نملة/ ويشرب منها رائباً وحليباً". واستدعى بعض الفنون البصرية، مثل فيلم "بداية ونهاية" الذي عمد عبره إلى إبراز التماثل بين بطلته "نفيسة" وبطلة الرواية "سناء". واستدعى كذلك كثيراً من أغنيات فيروز ومنحها الحضور الكثيف ذاته الذي منحه للمتنبي.

Facebook Twitter Link .
2 يوافقون
2 تعليقات