رقم ست وتسعون/2024
الغواص : أبو حامد الغزالي
د. ريم بسيوني
تطبيق ابجد
""بل أصبحت الأحكام تعتمد على تفاصيل ظاهرة ونسيت الجوهر، فتوى نفصل بها الخصام مهمة.. نعم، ولكن ما يُعين الناس على عدم الخصام أهم، ألاوهو الأخلاق ومجاهدة النفس. علم طريق السعادة والآخرة يُحرر النفس ويسلك بها طُرقًا أرقى وأسمى. الإخلاص في كل شيء هو المطلوب. وأهم شيء هو الإخلاص في العبادة
التقت أعينهما، قرأ الأخ قلب أخيه، ثم استلقيا على الرمال، ووجهاهما في اتجاه النجوم، يحدقان فيها، ثم يغمضان أعينهما، ويمسك الأخ بيد أخيه. كانا وسط الصحراء مثل شعاعين من الشمس، يلتقي الرأسان ويبتعد الجسدان، كنور الشمس المنتشر. حينها يسبح العقل خارج هذه الأرض، ويسبح معه الجسد، يطوفان مع الخيال، ولا يغرقان قط، فهذا بحر بلا أمواج ولا دوامات. قال أحمد بعد حين: محمد، هل التقيت بالسحاب والنجوم؟""
""تقدم ريم بسيوني في الغواص رؤية لحياة الإمام أبو حامد الغزالي؛ أحد أعلام عصره وأحد علماء وفلاسفة المسلمين في القرن الخامس الهجري. وتتناول الرواية مسيرته منذ ولادته في طوس في بلاد فارس، وصولًا إلى توليه إمامة بغداد، وما واجهه من تساؤلات وتحديات طورت من فكرة، حيث تاخذنا الى محطة جديدة تبحث من خلالها في حياة تلك الشخصية الإسلامية العظيمة التي تزامنت والعديد من الأحداث التاريخية المؤثرة، وبخاصة أن العالم العربي كان يخضع لعدة قوى؛ الدولة العباسية في بغداد، والدولة الفاطمية في القاهرة، والدولة السلجوقية في بلاد فارس؛ إلى جانب سيطرة جماعة الحشاشين على مقاليد الأمور وإشاعة الفتنة وغيرها من المؤثرات.""
بدأ محمد الغزالى رحلته صبيا يتيما فقيرا من طوس إلى نيسابور يرافقه اخيه الأصغر أحمد باحثا عن العلم والجاه. كان عقله هبة من الله، تحكي الرواية مسيرة حياة العالم محمد ابو حامد الغزالي الذي ولد في طوس في بلاد فارس وتنقل للتعلم في مدرسة نيسابور ثم صار فيما بعد أمام بغداد...حتى تركه لمنصبه وسفره الذي وصفه في كتبه بأنه كان لتهذيب النفس والتخلص من زهوة الحكم على القلب والدين...وكيف عاد بعد أن اقسم الا يجادل عالم ويهزمه أو يحضر لقصور السلاطين.
هي رواية تحكي عن الصراع بين زهوة الدنيا ونقاء النفس واخلاص العمل...بين الشك والايمان وكيف يصل له الإنسان حتى ولو كان مجدد الاسلام ابو حامد الغزالي.
بدأ محمد الغزالى رحلته صبيا يتيما فقيرا من طوس إلى نيسابور يرافقه اخيه الأصغر أحمد باحثا عن العلم والجاه. كان عقله هبة من الله، لا علم يستعصى عليه. يهزم كل مجادل ويكشف جهل من يدعى المعرفة لكنه تاه فى غيابات الشك بعد أن أصبح امام بغداد وحجة الإسلام ومفتى الأمة ، ثم ترك الدنيا وتخلى بعد أن دخل إلى عالم السلاطين والخلفاء بعد ان انغمس فيه باحثا عن المجد والجاه ،لم يجد سوى قلمه ، غاص داخل الكلمات والمعانى ليجد الخلاص. حاول فى كتبه ان ينقذ الناس من التيه والضلال وينشر النور لمن يريد الوصول.
ابتعد عن السلطة وهرب من الجاه والرياء فخلد الدهر اسمه. وكانت آخر وصاياه "عليكم بالإخلاص ". فهوعالمٌ نحرير قلّ نظيره في تاريخ الإسلام، عاش في زمن دولة السلاجقة وعاصر الحروب الصليبية، وكان له منهج إصلاحي متفرد من خلال تشخيصه لأمراض المجتمع ووضع منهاج للتربية والتعليم وبناء العقيدة الإسلامية ومحاربة التيارات الفكرية المنحرفة، وإصلاح الفكر، إنه حجة الإسلام الإمام أبو حامد الغزالي. إن التعرف على حياة هذا العالم الجليل ومعرفة أسباب نبوغه وعلمه، هو استشفاف لنموذج فريد لرجل أنجبه الإسلام العظيم. فمن هو؟ وكيف نشأ وتعلم؟ وما أسباب نبوغه في علمه؟
لمحات من حياته
: الشيخ الإمام البحر، حجة الإسلام، أعجوبة الزمان، زين العابدين أبو حامد ابن محمد بن محمد بن أحمد الطوسي، الشافعي، الغزالي، صاحب التصانيف والذكاء المفرط. وقد نسبه البعض إلى غزالة ـ بتخفيف الزاي ـ وهي بلدته التي ولد فيها، وهي نسبة صحيحة من حيث اللغة، والبعض نسبه إلى الغزَّالي ـ بتشديد الزاي ـ نسبة إلى الغزَّال حرفة والده التي كانت يكتسب منها، وهي نسبة صحيحة أيضاً من حيث اللغة.
: ولد بـ (طوس)، سنة خمسين وأربعمئة هجرية، وأما والده، فقد كان فقيراً صالحاً لا يأكل إلا من كسب يده، حيث كان يغزل الصوف ويبيعه في دكانه بطوس، وكان يختلف في أوقات فراغه إلى مجالسة العلماء، ويطوف عليهم، ويتوفر على خدمتهم، ويجدُّ في الإحسان إليهم والتفقه بما يمكنه عليهم، وكان إذا سمع كلامهم بكى وتضرع إلى الله أن يرزقه ابناً يجعله فقيهاً وواعظاً، فرزقه الله بولدين هما أبو حامد، وأخوه أحمد. غير أن الأقدار لم تمهله حتى يرى رجاءه قد تحققت ودعوته قد استجيبت، فقد توفي وما يزال أبو حامد صغيراً لم يبلغ سن الرشد. أما أم (أبي حامد) فقد عاشت حتى شهدت بزوغ شمس ابنها في سماء المجد، وتبوُّؤَه أكبر مركز علمي في ذلك العهد.
وكان والده قد أوصى به وبأخيه إلى صديق له متصوف من أهل الخير، وقال له: إن لي لتأسفاً عظيماً على تعلم الخط، وأشتهي استدراك ما فاتني في ولديّ هذين، فعلمهما ولا عليك أن تنفد في ذلك جميع ما أخلفه بهما، فلما مات أقبل الصوفي على تعليمهما إلا أن ذلك النَّزر اليسير الذي خلفه لهما أبوهما ما فتأى أن نفد، وتعذر على الصوفي القيام بقوتهما، فقال لهما: اعلما أني قد أنفقت عليكما ما كان لكما، وأنا رجل من الفقر والتجريد لا مال لي فأواسيكما به، وأَصْلَحُ ما أرى لكما أن تلجأا إلى مدرسة، فإنكما من طلبة العلم، فيحصل لكما قوت يعينكما على وقتكما. ففعلا ذلك، وكان هو السبب في سعادتهما، وعلوِّ درجتهما، وكان الغزالي يحكي هذا، ويقول: طلبنا العلم لغير الله، فأبى أن يكون إلا لله.
قرأ في صباه طرفاً من الفقه ببلده طوس على أستاذه أحمد بن محمد الرازكاني، وكان أستاذه الأول بها (يوسف النساج)، وبعد تناول الغزالي لهذا القدر اليسير من الفقه في بلدته، يشد الرحال إلى جرجان، حيث يلتقي بأستاذه أبي نصر الإسماعيلي، ويدون ما يسمعه منه كمرحلة أولى من التلقي والتعليم، ثم يرجع إلى طوس وفي أثناء رجوعه حدث له ما جعله يحفظ ما كتب، ويفهم ما علم، وفي هذا يقول: قطعت علينا الطريق، وأخذ العيارون جميع ما معي، ومضوا فتبعتهم، فالتفت إليَّ مقدَّمهم، وقال: ارجع ويحك وإلا هلكت، قلت له: أسألك بالذي ترجو السلامة منه أن تردَّ عليَّ تعليقتي فقط، فما هي بشيء تنتفعون به، فقال لي: وما هي تعليقتك؟ فقلت: كتب في تلك المخلاة هاجرت لسماعها وكتابتها ومعرفة علمها، فضحك، وقال: كيف تدَّعي أنك عرفت علمها، وقد أخذناها منك، فتجردت من معرفتها، وبقيت بلا علم؟! ثم أمر بعض أصحابه فسلم إليَّ المخلاة. قال الغزالي: هذا مستَنْطق أنطقه الله ليرشد به أمري، فلما وافيت طوس أقبلت على الاشتغال ثلاث سنين، حتى حفظت جميع ما علقته، وصرت بحيث لو قطع على الطريق لم أتجرد من علمي.
قدم الغزالي نيسابور، وهي عاصمة السَّلجوقيين، ومدينة العلم بعد بغداد ولازم إمام الحرمين ـ وهو من عرفنا شخصيته وجلالته في العلم والتدريس ـ وجدَّ، واجتهد حتى برع في المذهب، والخلاف، والجدل، والأصول، وكانت العلوم السائدة في عصره، وأعجب إمام الحرمين بذكائه، وغوصه على المعاني الدقيقة، واتساع معلوماته، فكان يقول: الغزالي بحر مغدق. وفاق أقرانه وهم أربعمئة حتى أصبح معيداً لأستاذه ونائباً عنه، وقيل: إنه ألف المنخول، فراه أبو المعالي، فقال: دفنتني وأنا حيٌّ، فهلا صبرت الان، كتابك غطَّى على كتابي.
ولما مات إمام الحرمين عام (478 هـ)، خرج الغزالي إلى المعسكر قاصداً الوزير نظام الملك، وهو لم يتجاوز الثامنة والعشرين من سِنّه، وقد ظهر فضله وذاع صيته، وكان مجلس الوزير مجمع أهل العلم، وملاذهم، وكانت المجالس حتى الماتم لا تخلو من المناظرات الفقهية، والمطارحات الكلامية، فناظر الغزالي الأئمة العلماء في مجلس نظام الملك، وقهر الخصوم، وظهر كلامه عليهم، واعترفوا بفضله، وتلقَّاه الصاحب بالتعظيم والتبجيل، وولاّه تدريس مدرسته النظامية ببغداد، وكان ذلك غاية ما يطمح إليه العلماء، ويتنافسون فيه، فقدم بغداد في سنة أربع وثمانين وأربعمئة، ولم يتجاوز الرابعة والثلاثين من عمره، وقلَّما تقلَّد هذا المنصب الرفيع عالم وهو في هذه السن، درَّس الغزالي بالنظامية، وأعجب الخلق حسن كلامه، وكمال فضله، وفصاحة لسانه، ونُكتَهُ الدقيقة، وإشاراته اللطيفة، وأحبُّوه. قال معاصره عبد الغافر الفارسي: وعلت حشمته ودرجته في بغداد، حتى كانت تغلب حشمه الأكابر، والأمراء، ودار الخلافة، وكان يقرأ عليه جمٌّ غفير من الطلبة المحصِّلين، يقول في (المنقذ من الضلال) في وصف حاله، والنظامية: وأنا ممنُوٌّ بالتدريس والإفادة لثلاثمئة نفس من الطلبة ببغداد. وأخذ في تأليف الأصول، والفقه، والكلام، والحكمة.
فالغزالي في تاريخ الفكر الإسلامي من أهم أئمة الأشاعرة المعدودين وفي الصدارة منهم، وهو كذلك من أئمة المذهب الشافعي الكبار، كما لقب الغزالي بـ"حجة الإسلام"، لأنه رد على الفلاسفة والدهريين ورد على الباطنية، كما عرف بأنه أهم منظري الفكر الصوفي في تاريخ الإسلام، ويجمع العقاد له قوته وريادته في الفلسفة وإمامته في التصوف فيقول "كانت السليقة الصوفية فيه أداة يغلب بها الفيلسوف الذي لا تصوف عنده، وكان التفكير المنظم عنده أداة تعينه على الفهم حين يقنع المتصوف بالتسليم ويستريح إليه".
توفي في14 جمادى الآخرة عام 505 هـ الموافق لـ18 ديسمبر/كانون الأول 1111 م توفي أبو حامد الغزالي في طوس ودفن في قصبة الطابران.
يقوم مذهبة على فكرة الاحياء السني للمحافظة على سنة رسول الله ضد المذهب الشيعي والباطنية وحسن الصباح وفرقته والإحياء السني مصطلح متداول في الدراسات التاريخية يشير إلى جهود استمرت على مدى قرون وقادها أعلام كبار علماء ومفكرون وملوك وسلاطين ووزراء، افتتح هذا المسار نظام الملك والإمام الجويني، ونظّر له ووضع أهم المصنفات التي أقامت قواعده على بصيرة علمية الإمام أبو حامد الغزالي، ثم نشط في نشره وتعميمه الملك العادل نور الدين زنكي، وكان بطله الموفق وصاحب القدح المعلى فيه الناصر صلاح الدين الأيوبي.
ثم استأنفه بعد فتور السلطان المظفر المؤسس الحقيقي لدولة سلاطين المماليك، وخلفه فيه الناصر قلاوون حتى أصبحت الكتابات الاستشراقية عن هذا المصطلح تجمع على أنه لا يمكن فهم تصرفات صلاح الدين دون معرفة رؤية وخطط وزير السلاجقة نظام الملك، ودون استيعاب العالم الروحي الذي رسم معالمه الإمام أبو حامد الغزالي.