محاولة أخيرة للظهور مجموعة قصصية ل هبة بسيوني
غلاف لفتاة تبدو كما لو كانت من عهد مضى، كشهرزاد مثلًا وإلى جوارها عصفور يرفرف بجناحيه، حتى الألوان تذكرك بأغلفة قديمة جميلة فيثير فينا الذكريات..
وبالغلاف من الخلف فقرة كاملة من إحدى القصص عجيبة..
تهدي الكاتبة مجموعتها لابنها الصغير، "بلال"، ثم تكتب مقدمة لمجموعة من القصص تبدأها بكلمة : "بلدتنا" وتتحدث عن بلدة بلا طعم؛ لا فرح، لا حزن، بلدة على هامش الحياة، حتى أصابها السحر كما تقول الكاتبة لينقلب حالها..
بعد هذه المقدمة التي أشعرتنا أننا أمام فنتازيا مجموعة قصصية، نتأكد من هذا مع أول قصص المجموعة والتي جاءت بعنوان "الشيطان الأصفر" وهو لقب لغريب أتى إلى القرية حافي القدمين والآن وفي يوم مطير أخذ يجري ليحمي متجر الذهب الذي يملكه وبعدها وكما تقول الكاتبة:
❞ بعدها بأيام استيقظنا في يوم هوائه ثقيل لنجد البلدة بلا أطفال. توقفت حركة البيع والشراء، وضربت النساء بأيديهن على صدورهن وشققن جيوبهن، تحلقن لأسابيع في دوائر سوداء يلطمن وجوههن ويبكين حتي أن السائر ليلاً كاد ينزلق من ابتلال الأرض بدموعهن. ❝
استبدل هذا الصائغ قلوبهم وأعينهم بأخرى من الذهب الخالص وعندها ماتت المشاعر وتحول البشر أو كما تقول الكاتبة:
❞ الأعين ذهبية والقلوب في صناديق. الآذان هي من عملت بكفاءة، ومعها الألسن فكثرت النميمة وتناقل الأخبار. ❝
فلجأ الجميع للساحرة صاحبة الخيط فهي من ستعرف أين اختفى الأطفال؟!
تنتهي القصة الأولى بكرة من الخيط لتبدأ بخيوط حريرية في قصة طعم العشق التي أيضًا برجال غرتهم الدنيا أو الطبيبة؛ جروا خلفها مصابين ينزفون فلم يفوزوا سوى بآثار خيطها على جروحهم..
وكما انتهينا في القصتين بالخيوط، فها نحن ننتهي من "قصة عطر" و"بلا أجفان" بوشاح أحمر، الأول كان بلا نقوش والثاني أضافت إليه الكاتبة أعين مفتوحة..
في قصة رائحة الكذب وضعت الكاتبة لنا قاعدة هامة في قصة، وهي أن للكذب والنميمة والخوض في سير البشر؛ كذبًا كان أو حقيقة، رائحة قد تدمر قرية بكل من فيها..
تسللت خفة دم هبة بسيوني في قصة "مصاص دماء يستيقظ وفيها مضغ مصاص الدماء الثوم المعلق على أبواب القرية ساخرًا ممن أطلق شائعة أن الثوم ينفره، فكيف ينفره فهو مفيد للمعدة كما تقول..
وفي مجموعة قصص أخرى تضع الكاتبة مقدمة عن السحر ولكنه هذه المرة ترك القرية وسكن البشر ممن حولنا وإن كانت أيضًا القصص بها من الفنتازيا الكثير،
تتحدث الكاتبة في قصصها القصيرة عن هواجس وأحاسيس البشر، الخوف من الفقد، الأحلام الحبيسة بدواخلنا وكيف نتخيل تحقيقها، عدم القدرة على الإنجاب، العلاقات في العمل، العلاقات الأسرية، وغيرهم..
تكرر اسم واحد في عدة قصص في هذا الجزء من المجموعة وهو كلارا الفتاة المصرية، إيطالية الجدة.. رغم عدم اتصال القصص إلا أن هناك خيط ما يربط بعضهم البعض حتى النهاية..
كما أن عنوان المجموعة يجعلنا نفهم أن لكل شخصية رئيسية في القصص محاولة أخيرة للظهور..
لغة الكاتبة عربية بسيطة؟ ولها أسلوب شيق ممتع، وجمل أعجبتني للغاية أذكر منها:
❞ من سلالة ساحرات يصبن المحبين باللعنة، ويحلقن بمقشاتهن في سماء بلدتنا الصافية المكسوة بالزرقة، دون أن تنالهن الأعين، عندما ترفع عينيك لا تعرف إذا ما كانت تلك غيمة أم ساحرة تتربص بك. ❝
❞ ظهره محني كأنه سيلتقط شيئاً أمامه غير مرئي، ولديه وجه أصفر مملوء بالنقاط السوداء الصغيرة كأنه تم نثر الفلفل الأسود عليه. وعيناه لهما زرقة غريبة تظللهما سحابة بيضاء، ❝
❞ ردت عليها بأنها لا تحتاج سواه وأنه صُنع خصيصًا لها. وبأنه يسكب حبه على موضع ألمها فيزول، ويمنحها إحساس التحليق خارج الجسد، ولا تحتاج معه للطيران. ❝
❞ أود لو فعل وشدني من ذراعي لأكف عن الهرب. كل ذلك سيحدث لو بعالمنا نهايات سعيدة لكن بعالمنا الأميرة ستظل راقدة بتابوتها الزجاجي والأقزام السبعة لن يزدادوا طولًا وسندريلا ستبقي حافية. ❝
في قصة دانهيل ديزاير أبدعت الكاتبة في وصف الشاب الذي يعمل في حلقة السمك وقالت
❞ فأنا أحتضن الطاولات الخشبية المشبعة برائحة (الزفارة) طوال الوقت. أول شئ تعلمته عندما بدأت العمل هو التقاطها وقذفها في الهواء. الأمر ليس سهلًا كما يبدو.
ثم بعد شرح بسيط تكمل:❞ لكن بعد ذلك استمتعت بالشعور. لم أتمكن من إجادة شئ ❝
وبعد جملة أو اثنتان استطردت:
❞ أحسدها فهي امتلكت القدرة علي التحليق والطيران ولو لثوانٍ. شئ تمنيت أن أجربه. داومت علي وضع أجزاء مني بها (المخاوف..الهموم..الأحلام البعيدات) أتركها تحلق، وألقيها بعيدًا. ❝
شكرًا هبة على هذه المجموعة الشيقةء، دوام الإبداع..
#نو_ها