الحب وهم. نصنعه حينما نحتاجه. و لكنه تماما كالعفريت: اذا حضرته فلن تستطيع أن تصرفه.
❞ أحيانًا نبحث عن كوننا محبوبين أكثر من أي شيء آخر، ولهذا قد نبحث عن الحب فقط لنحصل على هذه النعمة. بل دعني أذهب أبعد لأخبرك أننا قد نظنّ أننا نفيض بالمحبة على الغير بينما لا يتعدى الأمر أن نكون مجرد مستقبلين. بداية التفريق بين الأمرين تضبط طريقتنا الفوضوية في الحب، وتدلنا على ما نريده بالضبط ❝
لم يفشل حجي جابر أبدا في أن يجعلني أحب بطلاته. أعشقهم. و أغار عليهم من البطل. رغم أن القصة دائما محورها رجل إلا أن رجاله ضعفاء مطاردون مترددون و منهكون لدرجة قد تجعلني أتعاطف معهم لكن لا تجعلني احبهم أبدا.
❞ الناس هنا جميعهم مثله ينشدون النجاة بكل طاقتهم، ولا يهمهم مَن يسقط وسط الطريق. يُطَأطئون الرأس لمَن فوقهم، ولا يُضيّعون فرصة إذلال من دونهم. النجاة أحيانًا تحدث بانكسار الآخرين أكثر منها بسلامتنا من الضرر. لكنّ هذا لم يأتِ عبثًا، إنه نوع من الحماية، وخشية من الانكشاف. ❝
اللفتة الأخرى في قلم جابر هي الحب من أول نظرة التي تكررت مرتين هنا و تكررت أيضا في رواياته كلها التي قرأتها و هو شيء وارد و ان لم يكن بتلك الكثافة. إلا أنه هنا وارد جدا لحاجة البطل إلى الحب و أن يكون متقبلا من الأخر و هو الشعور الذي ظل يؤرقه حتى في أحلك لحظات حياته
❞ لا أعلم ما الذي يجري على وجه الدقة، وربما لا تعلم هي ذلك أيضًا. لا أعلم لِمَ يبدو أننا نكمل شيئًا بدأناه في عمر مضى. ثمَّةَ ألفة في هذا اللقاء كأنّه يجري للمرة العاشرة. لم يكن قرارنا بالكامل، هناك ما يدفعنا لنكون في مواجهة قَدَرنا الجميل هذا. طاقة علوية تبثّ إرادتها فنتلقاها دون جدال. لا أدري لِمَ أشعر بخشوع روحي أمام هذا الوجه، لمَ أحسّها تنكفئ، تركع تسجد، وتطيل السجود. ❝
و حين نتحدث عن الحب فيجب ألا ننسى كيف يتلاعب بنا فيجذبنا حين نبتعد عنه و يلفظنا حين نقترب فلا نكاد نعرف أهو يريدنا بجانبه أم يلقى بنا بعيدا عنه فيحافظ في كلتا الحالتين على جذوة العذاب المتقدة في قلوبنا و على الشبق بداخلنا و على الجوع الذي لا يشبعه النهم و العطش الذي لا يمكن اروائه.
❞ جلستُ قربها، فشدتني من يدي لألتصق بها. هنا عاودني الخوف. قربها وحده يشعرني بفداحة الوقت من دونها، بأيامي حين تخلو من عينيها التي تطفر بنعاسها اللذيذ. ❝
يتميز حجي بلغة بديعة و وصف تمثيلي ساحر يضعك في اتون الأحداث و يجعل منك مشاركا فيها بكل حواسك. انظر لهذه القطعة البديعة التي تكاد تلمسك لمسا و كأنها تحدث لك انت بالذات:
❞ حين اقتربتُ منها ابتعدتْ، فعدتُ للسباحة في الاتجاه الآخر. حين انتبهتْ عادتْ تلحق بي حتى أدركتني عند نهاية المسبح، وقد أسندتُ صدري ويديّ على حافته وأنا ألهث. طوقتني عائشة من الخلف وأسندتْ صدرها على ظهري، فسرَتْ قشعريرة لذيذة في جسدي وأنا أشعر بانضغاط نهديها كلما التصقتْ بي أكثر. قبّلتْ رقبتي فلم أعد أقوى على الصمود. استدرتُ هربًا، فقابلتُ عينيها الغائمتين. بدا حصارًا محكمًا. اقتربتْ أكثر، وأنا ألمح ارتجاف شفتيها وقد انفرجتْ قليلًا. حين أغمضتْ عينيها تمامًا كان الإذن لي أنْ أخوض نزالًا غير متكافئ. طوّقتُ بشفتيّ شفتها السفلى المستسلمة، فأربكني لسانها يضرب ويهرب، ويدها تتحسّس صدري لتنشب أظافرها فيه، وشعرها يلامس جبهتي، ويتدلى ليحجب الرؤية عن عيني، وفخذها يحتك بفخذي ليشعل النيران ببدائية لا تزال صامدة. كنتُ فردًا أعزلَ في مواجهة قبيلة من الشبق. ولم أجد مهربًا من الهزيمة آخر الأمر. ❝
تشتتنا الرواية بسرد بديع بين مكانين و زمانين لشخصية واحدة يتناولها الراوي ربما ليعبر عن الشتات و البحث عن الهوية و هما ما اضطرا بطل الرواية للبحث عن الهوية في بلد يفتقد الهوية من الأساس و يحاول اثباتها في كل وقت بمحو هوية الأخرين.
❞ لا يعرف لمَ يواصل السير في هذا الطريق، لا يعرف على وجه الدقة، ما إذا كان يقصد الأقصى، أم كنيسة القيامة أم الحائط. إن كان سيصبح داود، أم ديفيد أم داويتْ. كل الذي يعرفه أنه فارغ من الداخل ويبحث عن شيء يستند عليه. ❝
في النهاية لا يرتوى البطل من ظمأ و لا يجد المأوى الآمن و لكنه يجد أخيرا السكينة التي كان يمكن أن يجدها بسهولة في أي من الأمكنة أو الأزمنة التي لم يكف عن الفرار منها.
❞ كان يريد الابتعاد فقط، النجاة بما تبقّى من جسده وروحه. كان يركض بكل قوته، لكنه يشعر مع كل خطوة أن شيئًا منه يسقط. لم يكن يملك ترف التوقّف لالتقاطه. كان كما حياته بأسرها، قانعًا بالقليل، سيكفيه أن يبقى بقدم واحدة ،يد يمنى أو يسرى لا يهم، نصف وجه، قلب مهشّم، رئة معطوبة. سيبقى بما يضمن له البقاء. ❝