في أوقات ذروة الأحداث يشيع الإتهام، أسهل ما في عقول العامّة هو إلقاء التهمة علي الجميع لمجرد انتمائهم للطائفة أو الحزب أو الديانة أو المذهب المُدان، لذا مهما ترائي علي وقع الأحداث الحالية من حراك يهـ ودي مناهض للصهـ يونية
ورافض لكل أفعالها وماقت لإجرامها الكبير، فإن مُجرد التزيّي باللباس اليهـ ودي هو دليل إدانة حتمي عند كل ما لا يفرق بين الديانة والحركة الضالّة.
هذا ما أعربت عنه ماجدة هارون رئيسة الطائفة اليهـ ودية بمصر وتحدثت ببالغ الأسي عن التغير الكبير العام والشعبي تجاهها وتجاه الطائفة في مصر خاصة بعد السابع من أكتوبر،
مصر لها دائماً وضع مختلف جعل اليهـ ود الذين عاشوا فيها لا يقبلون بهجرها بعد كل انتمائهم لها وحياتهم فيها، وقبل الحديث عن ناحوم أفندي روت لنا الأستاذة ماجدة كيف عُثِر علي مقبرتة رغم أنها كانت في منطقة سُلِبَ من إرثها الكثير بفعل السرقات المُتتالية، هاكم البداية وإليكم الحكاية.
كان حاييم ناحوم رئيساً للطائفة في وقت صعب وفي منطقة تعج بالأحداث الكبيرة علي وقع اتفاقيات سايكس بيكو وسقوط الخلافة الإسلامية، كان يشغل العديد من المناصب في مصر، عايش عهد الملك فؤاد وفاروق وجزءاً من عهد الضباط الأحرار، لم يُعرف عنه الكثير بسبب غموضه لكن حامت حولة الشكوك في كونه صاحب أداة فعالة في العديد من الوقائع التي كانت فارقة في تاريخ الأمة وقتها
كـإزاحة السلطان عبد الحميد الثاني بعدما رفض التنازل لليهـ ود عن فلـ سـ طين وحرّم عليهم دخولها عن طريق الكروت الحمراء التي ميّزهم بها، الكثير من المجهول يبدوا أنه ينتظرنا مع هذه الشخصية، إذاً فلنُتابع.
في التاريخ لا يوجد حكاية خاصة أبداً، أي أنك حينما تقصد حدثاً بعينة أو فترة تاريخية مُحددة، فإن من واجبك المِهني أن تُحيط القارئ إلماماً بكل ما يدعم فكرتك أو المعني الذي تُريد إيصالة، أو يساعد القارئ في إتمام باقي جوانب الصورة الناقصة لتكيفة عناء البحث عن مصدر صحيح يُتِمُ له ما سكتّ أنت عن روايتة، الأستاذة سهير لها باع في هذا الأمر لذا لم تبدأ من حكاية حاييم ناحوم بالتحديد، بل عادت بِنا إلي العهد العثماني والاشتباك المُباشر الذي حدث بين اليهـ ود والسلطان عبد الحميد الثاني، مِن هُنا ستبدأ الحكاية وسنعلم بعدها كيف تتابع الأمر حتي وصل إلي مُستقره في عهدنا الحالي وليس في نهايات حاييم ناحوم فقط.
لفظت أوروبا اليهـ ود، سئم الغرب شرورهم فشرّدهم ولم يبسط لهم أحد يده حينها إلا العثمانيون، تلك اليد التي سيعملون لاحقاً علي تآكلها وإضعافها وتفتيت جغرافيتها لإحلال مخططتهم، ثلاثمائة عام كانت فارقاً بين بدايات نشأة يهـ ود الدونـ مة وبين مشاركتهم الصريحة في عزل السلطان عبد الحميد الثاني والتلاعب بما يحلوا لهم بأرض الرجل العجوز الضعيف الذي تآكل حتي سقط وأسقط معه الخلافة.
التاريخ سِلسال مُتصل من الأحداث التي لولا تراتبيتها لما وصلنا لواقع الأحداث الدائرة في مُحيطنا الآن، فكُل حاضر بالتأكيد ليس مبنياً للمجهول ولا وليد الصدفة، ولكنة امتداد لخطوات الماضي وصولاً إلي المُستقبل.
لذا أعادت الأستاذة سهير سيرة اليهـ ود إلي بداياتها لفك تشابك الألغاز وإيضاح الحقائق كاملة في ضوء ما يجري في المنطقة من صراعات وتشابكات لا يفهمها أصحاب الأجيال الحديثة لأنهم يرونها بغير مداها الحقيقي وبُعدها الاستراتيجي الهام.
تميّزت الفصول بأسلوب سلس وتتابع سردي بسيط ومتناغم بعيداً عن تعقيدات قوالب السرد الأكاديمية الجامدة أو الأسلوب المُعقد الذي ينتهجه بعض كُتاب التاريخ إمعاناً في صعوبة الأمر علي القارئ العادي غير البحثي، وقد كان في الكتاب العديد من صور الشخصيات والأماكن لإيضاحٍ أكبر وزيادة في تقريب المعلومات ومُقاربة الأحداث.
كتاب مُهم، تكمن أهميتة في توقيتة وتتبعة للحركة اليهـ ودية وتشابكها مع الصهيـ ونية في مواضع وتنافرهم في مواضع أُخري، وفي رأيي أن أهم مميزات الكتاب بعد ذلك هو أنهُ جامع للكثير من الأحداث ومُرتب بشكل مُميز جداً ومُترابط بطريقة تُسهّل علي القارئ الوصول لجوهر الأحداث وحقيقة ما وراءها، عقود كاملة أختُزِلت بشكل رائع في عدة صفحات لتضع القارئ أمام تاريخ منطقتنا المرير وكيف وصلنا إلي تلك الأجواء والحالة الصعبة التي نعيشها الآن.