"مافيش من بعد حرق الزرع جيرة…

(…) على مدى أسابيع متتالية ظل أهالي قرية الطايعة يعيشون حالة من القلق والترقب والهلع، غيطان الأقباط تحترق من حدودها مع أرض المسلمين كل يومين تقريبًا، وأحيانًا نادرة يحدث العكس." - بيت القبطية لأشرف العشماوي 🇪🇬

كنت عازفًا عن قراءة أعمال أشرف العشماوي بعد أن سئمت نفسي تدني الذائقة الأدبية العامة التي تصنع من العديد من عديمي الموهبة نجومًا تتصدر قوائم الأكثر مبيعًا، وهو السبب الذي دفع بي إلى تجنب أعمال العشماوي وغيره ممن تحدث الكثيرون إيجابًا عن رواياتهم.

أثناء العطلة، قررت مطالعة بيت القبطية كأول ما أقرأ العشماوي، فوجدتني مكرسًا كل الوقت للرواية كي لا أتركها قبل الانتهاء منها، وهي علامة عادة ما تثير قلقي، فأنا لا أحترم "الإثارة" التي ترمي إلى "الاحتفاظ" بالقارئ. لحسن الحظ، كنت مخطئّا، إذ أن الرواية أبعد ما تكون عن الاستثارة الرخيصة، كما أنها لا تستجدي القارئ بأي شكل من الأشكال، بل تستعرض قضية بالغة الحساسية والتعقيد، وهي قضية الفتنة الطائفية وسهولة استخدامها لتحقيق مصالح فئة على حساب أخرى، بل وعزوف النظام عن التعامل مع جذور الظاهرة بشكل جدي درءًا للعواقب المحتملة. يرصد العشماوي تجليات التعصب وتنامي خطاب الكراهية وتنامي سوء النية، ولا يغفل عن وجود استثناءات هي عين الأمل في وحدة وطنية حقيقية.

لم يقع العشماوي في فخ اقتراح الحلول، فالحلول ليست مسؤولية الأديب ولا ينبغي أن ينساق خلف غواية التنظير. قال البساطي ذات يوم أن العديد من الحكايات تنتهي إيقاعًا قبل أن تبلغ نهايتها أدبًا، والحق أن إيقاع هذه الرواية مدروس بعناية بعيدًا عن الإطناب والإطالة، كما أن الشخصيات والاستدعاءات قد خدمت طاقة السرد. نجح العشماوي في صياغة قصة تنفذ إلى القلب وتستنفر العاطفة، فيخرج القارئ بأسئلة ضرورية ومُلحّة: ما السبيل إلى رأب الصدع؟ هل تتلخص العدالة في حقن الدماء والحفاظ على النظام؟ أم أنها تتحقق فقط بالمواجهة وبكشف المستور والتصدي للمذنبين أيًا كانت العواقب؟

‏#Camel_bookreviews