نحن لا نتعلم الكتابة إلا بالكتابة
يعيد هذا الكتاب اثارة ذات الأسئلة التي تشغل نفسي ولطالما ناقشتها مع بعض الأصدقاء.
إن كانت الكتابة كما يراها المؤلف عبد الجبار الرفاعي ❞ كلُّ كتابة جادة هي نحو من استيعاب وهضم وتركيب لبناء جديد، يتسع نسيج الكتابة لاستيعاب شيء من كتابات سابقة، مُعاد ابتكارها. الكتابة تتخلق باستمرار في صيرورة جدلية، تبتكر السابق، وتعيد خلق اللاحق. الكتب الخالدة هي خلاصة خصبة مكثفة لمكتبات كاملة، ❝
فهل قيل كل ما يمكن أن يقال سابقاً؟ ولسنا سوى مجمعين و معيدي ترتيب بعض الأفكار و الجمل؟
أذكر أن أحدهم حدثني عن مخاوفه من الكتابة ( شو ممكن اضيف شي جديد)؟ لظن البعض أن الكتابة في جوهرها تعني الابداع بمعنى الخلق من العدم.
وهنا نقف أصلا على معنى العدم، فهل هناك عدم، أو نقطة يبدأ و ينبثق منها الشيء موجودا في اللاشيء؟
فيما أرى، وبشكل خاص افي المجال الأدبي، كل شيء يمكن أن يقال قد قيل ( نسبيا) ، ولكن ما يحدد أدبية النص، هو ليس ما قيل ( وحده) بل ( كيف قيل ما قيل) .
على اعتبار مقولة ( الرجل هو الأسلوب) أي أن ذاتية النص الأدبية تتحقق بتفرد و ببصمة كاتبه لا بأفكاره وحدها، ففي تراثنا النقدي العربي عن نظرية ( النظم) قيل( المعاني مطروحة في الطرقات ، يعرفها الغادي و الرائح، ومناط الأمر في نظمها و سبكها) .
الفكرة الثانية التي يثيرها الكتاب في بالي هي العلاقة الجدلية ما بين فعل القراءة و الكتابة.
❞ الكتّاب الجيدون قرّاء جيدون، ما لم تكن قارئاً نهماً لا تكف عن ملاحقة كل ما هو مهم من إنتاج فكري وأدبي، فلا يمكنك أن تكتب ما هو هام ومميز، خاصة مطالعة ما يتصل بالمجال الذي تتمحور اهتماماتك فيه. ❝
واتفق مع الرفاعي حتما، لكن هناك مرحلة يصلها القارئ الكاتب تلزمه حتما على تحديد أولويته: الكتابة أم القراءة؟
وأن يكون حريصا حين يكتب ألا يكون واقعا تحت سحر التأثر بأسلوب من يقرأ لهم، فيأتي نصه رغم جماله هجين، يفتقد لمسة صاحبه، نلمح فيه طغيان محمود درويش أو ماركيز، هناك تناص وتأثر و تأثير نختزله في لاوعينا، وهذا جزء من استدعاء النصوص لبعضها و لو بشكل خفي، وهذا مما لا يعيب الكاتب، لكن المشكلة تتجلى حين يكتب تحت تأثير لحظي غارق في التماهي مع النصوص التي أحبها.
هناك فكرة أخرى تشغلني، تتعلق بمفهوم العزلة و الكتابة، كفعل كتابة تحتاج فعلا لتكون وحدك، لكن حتى أكتب علي أن انخرط في الحياة ( مرحلة السرعة و الضجيج) ، اجالس الاخرين، أمشي في الطرقات، أقرأ تعليقات و الأخبار .ثم نحتاج الى مرحلة ( البطء) ( التأمل) والا ستكون نصوصنا ان اكتفينا بما نقرأ ، كأنها خارجة من بطون الكتب بلا روح