ليس للحرب وجه أنثوي > مراجعات كتاب ليس للحرب وجه أنثوي > مراجعة Rudina K Yasin

ليس للحرب وجه أنثوي - سفيتلانا أليكسييفيتش, نزار عيون السود
تحميل الكتاب
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
5

" رقم سبع وسبعون / 2024

ليس للحرب وجه أنثوي

سيفتلانا اليسكسيفيتش

تطبيق ابجد

""نحن كنا نموت هناك بينما كانوا يشاهدون هذه الحرب على شاشات التلفاز، لقد كانت الحرب بالنسبة لهم مجرد فرجة، أتصدقون ؟ كنا نموت وقد كانت مجرد فرجة …لذا اخترت أن لا أكتب عن الحرب، بل عن الإنسان في الحرب. لا أكتب تاريخ الحرب، بل تاريخ العواطف والمشاعر""

""لقد حدثت آلاف الحروب، ولكن ما كُتب عنها أكثر مما حدث منها. كثيرون كتبوا عن الحرب، لكنهم رجالٌ كتبوا عن رجال. وهذا ما أدركتُه على الفور. كلّ ما نعرفه عن الحرب نعرفه من خلال "صوت الرجل". ونحن جميعًا أسرى تصوّرات الرّجال وكلماتهم وأحاسيسهم عن الحرب. أما النّساء فيلُذن بالصّمت، ولم يسأل أحد عن ذلك باستثنائي أنا. حتى النّساء اللواتي كنّ في الجبهة يلُذن بالصّمت. وإذا بدأن بالحديث، فهن يتذكّرن حرب (الرّجال) لا حرب (النّساء)".

""صمتنا كالسمك...و لم نعترف لاحد باننا حاربنا في الجبهه...لقد اختطفوا النصر منا لم يشاركونا النصرقساوه الذكريات...لكن عاطفه الحب كانت تدفئنا ان الله لم يخلق الانسان كي يطلق النار بل خلقه ليحب...مرعب جدا ان نتذكر لكن الاشد رعبا الا نتذكر....كم حقيره هي هذه الحرب.

• ما هو تعريف الحرب؟ الحرب هي ظاهرة العنف الجماعي المنظم التي تؤثر إما على العلاقات بين مجتمعين أو أكثر أو تؤثر على علاقات القوة داخل المجتمع. وتخضع الحرب لقانون النزاع المسلح، الذي يدعى أيضًا “القانون الدولي الإنساني”. يرتبط مفهوم القانون الدولي الإنسًاني ارتباطًا وثيقًا بأقدم تاريخ عرفته البشرية وهو الامان في بلد لا تعرف الامان نعم هذه هي الحرب فهل يختلف الموت عن القتل، وما هو الحدّ بين الإنساني واللاإنساني؟ كيف يمكن للإنسان أن يبقى مع هذه الفكرة المجنونة، بأن يقتل إنساناً آخر؟ بل عليه أن يقتله". أسئلة كثيرة عن الحرب والقتل والدمار؛ تطرحها رواية "ليس للحرب وجهٌ أنثوي" للكاتبة البيلاروسية "سفيتلانا ألكسييفيتش"، ترجمها عن الروسية الدكتور "نزار عيون السود"، وصدرت ترجمتها عن دار ممدوح عدوان للنشر والتوزيع عام 2016.

• الحرب للنساء لها اوجه , الوان ، وأضواء خاصة , ومساحات للمشاعر المميزة , إنّها تخلو من الأبطال والمآثر القتالية، التي لا تُصدَّق. فيها، لا يشعر النّاس وحدهم بالألم والمعاناة، بل الأرض أيضًا، والطيور والأشجار .. إنهم يتألمّون بدون كلمات". لهذا قرَّرت سفيتلانا أنّها تريد "كتابة تاريخ هذه الحرب، حرب النّساء". وتبدأ الاستماع لنساء "لا يتذكّرن أنفسهن، بل فتياتٍ أخريات. ويشعرن بالذّهول من أنفسهن. وعلى مرأى منّي "يتأنسنُ" التاريخ، ويغدو شبيهًا بالحياة العادية. وتظهرُ إضاءة أخرى": "أعطَونا أكياسًا قماشية فخِطنا منها تنانير"، "دخلتُ إلى مديرية التّجنيد بفستان وخرجت من باب آخر بسروال وبلوزة"، "أطلقَ الألمان النّار على القرية وذهبوا. .. وصلنا إلى هذا المكان المداس بالرّمل الأصفر، وعلى السّطح فردة حذاء طفل...".

• "ليس للحرب وجه أنثوي"، الروائية البيلاروسية، سفيتلانا أليكسييفيتش، الفائزة بجائزة نوبل للآداب (2015)، وأثار فوزها جدلًا كبيرا بسبب كتاباتها وخاصة فتيان الزنك التي لم اقرئها بعد . فضمن صفحات الكتاب الذي يتحدث بلسان اكثر من 200 انثى روسية واكرانية وباسلوب سردي جيد نتحدث عن مالم يحكى . عشراتُ العشرات من القصص والحيوات، تروي فيها نساء عن الحرب من وجهات نظرهن، طازجة، وغير مستهلكة بل وغير مسبوقة، وهذه عبقرية وزاوية بالغة الطراوة، وغير مسبوقة الحجم والكثافة، من الرّوسيات والأوكرانيات اللواتي كان عليهن الذّهاب إلى الجبهة لمحاربة الجيش الألماني، و"عليهن" هذه تشير إلى من ذهبن رغمًا عنهن، أو تطوّعن لشعور غامر بالتّضحية، في موجة وطنية استغلها ستالين في مواجهة الجيش النازي.

• من مميزات الكتاب او الرواية او السيرة فمن الممكن تصنيفه بالسيرة الذاتية للحرب ؛ يسرح فيها خيال الكاتبة لينسج أفكاراً غريبة، إنما هو قصص حقيقية لشخصياتٍ نسائية حقيقية أيضاً، عايشتِ الحرب العالمية الثانية مجنّداتٍ ومتطوعاتٍ في الجيش السوفييتي، وشاركتْ فيها، متورطات في ذلك من أجل حماية أنفسهن وامتثالاً للشعارات الزائفة التي كان يطلقها الشيوعيون.

• تتحدث الرواية عن مشاركة المرأة السوفيتية في الحرب دفاعاً عن الوطن في وجه الغزو النازي، وكيف كانت الفتيات والنساء يتَّجهن للدفاع عن الأرض السوفيتية بشراسة؟ لم تكن النساء مرغمات على الانخراط في الحرب، إنما كنّ متورطات؛ ورَّطَتْهنّ القوى الثورية آنذاك، كالمقاومة والأنصار والحزب الشيوعي، بشعاراتها الوطنية المبهرة، استغلّها "ستالين" أبشع استغلال في مواجهة الجيش الألماني.

• تقول الكاتبة في مقدّمة روايتها على لسان المؤرخ السوفيتي "نيقولاي كارامزين": "كان يحارب في الجيش السوفييتي نحو مليون امرأة، وكنّ يتقنّ جميع الاختصاصات العسكرية، بما فيها تلك التي تتطلب قوة الرجال، حتى أنه ظهرت مشكلة لغوية: كان لا بدّ من اسمٍ مؤنث لكلمات مثل: "عنصر دبابات" و"عنصر مشاة" و"عنصر رشاشات"، حيث لم يكن هناك صفة أنثوية لها؛ لأن المرأة لم تكن تمارس سابقاً هذه الاختصاصات، وقد ظهرت الأسماء الأنثوية لها أثناء الحرب".

• الرواية بيان ضدّ الحرب والقتال والبطولات الزائفة، وضدّ الجنرالات والقادة، تتمحور حول الإنسان والإنسانية التي أتلفها الإنسان ذاته بأنانيته وجشعه وعدوانيته، وبما صنعه عقله ويداه؛ ففي القتال يغيب الحق، وتغيب العدالة الإنسانية؛ كلّ طرف يحسب نفسه قابضاً على الحقيقة، يضع الانتصار فقط أمام عينيه، ولا يأبه لحياة البشر، فيصبح المقاتل أسطورةً تاريخية مطلقة تلغي الجوانب الإنسانية والمشاعر والأحاسيس، لا بل تبتزّها لتصبح مصدر فخر للآخرين..

• من يقرأ هذه الرواية لا يمكن له إلاّ أن يتخيل النساء تلك النساء اللواتي أنهكت من الحرب، لا أحد يعرف كيف كانت حياتهن؛ سواء بفقد الأزواج والأخوة والأولاد والأقارب والأصدقاء والأحباب .. أو بتجنيد أنفسهن في صفوف المقاتلين. حيث، تُجنَد النساء كما يُجنَّد الرجال، يحرمن أنفسهنّ من أبسط حقوق الحياة كالحبّ والزواج، يتدرّبن على أعنف فنون القتال وأكثرها شراسة، أجبرتهنّ الحرب على القيام بتلك الأفعال التي لا تتناقض مع أنوثتهن فحسب، بل تتناقض مع الإنسانية، ومع الحق الطبيعي في الحياة.

• تقول الكاتبة على لسان إحدى المشاركات في الحرب: "كنتُ في سنّ السادسة عشرة من عمري يوم أصِبتُ في المعركة، فنصحني الطبيب أن أتزوج وأنجب أكبر عددٍ ممكن من الأطفال، فمع كل ولادة سيتجدّد جسمي وينمو" (ص 199 بتصرف)، لم يستطع الطبيب أن يقول لتلك الفتاة ـن تترك الحرب كي تعيش، قد يُقتل على نصحه لها، فالأنظمة الديكتاتورية هي من تتحكم بحياة الشعوب، فما أشبه الأمس باليوم، كم فتاةً سورية في السادسة عشرة من عمرها أصيبت وهي تحمل السلاح، ولا أحد يعلم عن المقاتلات شيئاً، كلّ ما نعرفه هو حرب الرجال على الرجال، استشهاد رجل هنا، وعند الطرف الآخر من لعبة الحرب هو جيفة لا تستحق الدفن في تراب الوطن، فأي وطن هذا الذي يبتلع أبناءه؟! وأي شعار وطنيّ تطلقه الحرب؟

• تقول الكاتبة: لم نعرف العالم بدون حرب، كان عالم الحرب هو العالم الوحيد المعروف لنا، أما أناس الحرب فهم الوحيدون الذين نعرفهم، وأنا حتى الآن لا أعرف عالماً آخر ولا أناساً آخرين .. فنحن طيلة أوقاتنا إما نحارب وإما نستعد للحرب". الحرب وحالة الطوارئ والاستعداد للحرب كلُّها تقتضي حرباً على المجتمع، لا بتوجيه الموارد الوطنية للمجهود الحربي وحرمان المجتمع منها فقط، بل بكمّ الأفواه ومصادرة الحريات، والإجهاز على المعارضة السياسية، فتصير الحرب مصدراً من مصادر المشروعية لسلطات مستبدة وفاسدة.

• "الإنسان أكبر من الحرب" هو عنوان مقدمة الرواية: "سألني ابن الجيران ذات يوم: ماذا يفعل الناس تحت الأرض؟ وكيف يعيشون هناك؟"، "آنذاك فكَّرْتُ في الموت... ولم أتوقف عن التفكير فيه، فقد أصبح الموت سرَّ الحياة الرئيس"، لم تقصد الكاتبة الموت الطبيعي، إنما الموت في الحروب التي تتغنى بها الشعوب المنتصرة في الأفراح والأحزان والموالد والتعميد، فالمنتصرون هم من يكتبون التاريخ، وأصحاب السلطة والتسلط هم المنتصرون على أشلاء القتلى وجراح الجرحى، فمن ليس لحياته معنى؛ لم يكن لموته معنى، فهل يجب أن يموت الإنسان من أجل قضيةٍ؟ أم أنّ عليه أن يحيا ليحقق أهداف القضية؟

• مؤلمةٌ وجوه النساء التي جعلتنا الكاتبة نراها من خلال السطور المؤلمة، ومؤلمةٌ جميع الحروب التي تفتك بالإنسان والإنسانية، وبقدر ما هي لغة الرواية الأنثوية جميلة بقدر ما هي موجعة.

Facebook Twitter Link .
0 يوافقون
اضف تعليق