(ده الكتاب اللي كنت مستنياه من محسن)
-هذه هي الجُملة الأولى التي صدرت مني عندما وصلت في القراءة إلى منتصف الكتاب، هذا هو محمد عبد المحسن الذي بدأت في متابعته والقراءة له منذ سنوات، هو من وضعته على قائمة الصفحات المفضلة لي على الفيس بوك وأنتظر ما ينشره دائمًا، واقرأ بتمعن وثقة في كل كلمة يكتبها.
-إذا ما بدأنا الحديث عن الكتاب الذي بين يدي فـقد أتوقف قليلًا للتفكير كيف يمكنني تصنيفه، الكاتب يقول أنه ليس برواية واختار كتابة كلمة مقالات في الصفحة الأولى للكتاب، والعاملين بدار النشر خلال معرض الكتاب أخبروني بأنه رواية، فتوقفت أمام التصنيف حائرة وتركت قراءتي هي من تحدد تصنيفه، عندما اقتربت من نهايته سألني زميل في القراءة نوع الكتاب فوجدتني أجيب مقالات تاريخية في شكل روائي وهو التصنيف الأقرب بالنسبة لي.
-الكاتب يحكي عن البطل يوسف الذي يقوم بشراء المنازل القديمة ويعيد ترميمها وتجديدها ثم بيعها بهامش ربح، في إحدى المنازل القديمة وجد الصندوق السري للغاية الذي يحتوي على اسطوانات الجرامافون التي يختبئ داخلها الكثير من الحكايات التاريخية المثيرة التي تتنوع ما بين حكايات عن التاريخ والفضاء والآثار والجرائم والكثير من القضايا غير المحلولة عبر سنوات طويلة مما جعلها علامة استفهام كبيرة، المثير في هذا هو من يقرأ على مسامع يوسف تلك القصص، فلا تستطيع أن هل هو مسافر عبر الزمن أم يتخيل أم ماذا؟!
-هنا جاء في ذهني عمل محمد عبد المحسن السابق رواية (خرونوس) الذي كتبت عنه مراجعة وكان يتحدث فيها عن السفر عبر الزمن، فتخيلت أنه كيف يمكن أن يكون الوضع إذا كان أحد اشخاص الرواية السابقة أو حتى بطلها هو من يسافر عبر الزمن وأكتشف كل تلك الحكايات، فكرة مجنونة خطرت في ذهني لا أعلم لماذا! ربما لتكرار فكرة السفر عبر الزمن في العملين بشكل متتالي.
-أعتقد أنه للمرة الأولى أقول أن يمكن للأحداث التاريخية أن تكون مشوقة ومسلية للغاية، وربما بعد بضعة سنوات إذا منحت هذا الكتاب لأبني سيحبه وسيكون كتابة الأول لأحداث تاريخية حتى وأن كانت لغز، خاصة أن الكاتب في كل قصة يقدم لك معلومة قد تكون علمية أو عن الأثار أو عن بعض المناطق التي تم اكتشافها أو حتى دينية مثل في قصة قرية سيدنا لوط.
-من النقاط المهمة في الكتاب هو أن الكاتب بعد عدد من الحكايات أو الأسطوانات المسموعة يقدم قائمة بالمصادر المتعلقة بكل قصة للتأكد من صحتها، نقطة غاية في الأهمية ومنحت الحكايات ثقل أكبر، ففي حالة عدم وجودها ربما هذا سيكون سبب في الشعور بأن الحكايات مرسلة وغير حقيقة، وأن كنت أود لو وضعت هذه المصادر بالكامل في نهاية الكتاب والاكتفاء بالتلميح لها بين الأحداث بأن يوسف يقوم بالتأكد بالفعل من حقيقة كل قصة، والفكرة الأكثر عملية ربما كان عمل QR Code يمكن الدخول عليه لفتح كل هذه المصادر بسهولة أكثر.
-على الرغم من أن القصص قرأتها سابقًا على صفحة الكاتب ولكنها في كتاب بين يدي كان لها طابع خاص وأعتقد أنه غيّر بعض من تفاصيلها أو زادها لأنني شعرت أن المقالات أطول، وربما أن الأمر في المنشورات يختلف عن الكتاب.
-لغة الكتاب بالكامل سردًا وحوارًا كانت بالفصحى، وتمكُن الكاتب من لغته، بجانب قدرته على السرد بطريقة مشوقة تساعدك في الاستمرار في القراءة دون الشعور بلحظة ملل، في لحظة ما شعرت وكأن سرده للحكايات كالماء، تشعر به ولكنه يمر بكل سلاسة، شكرًا لمحمد عبد المحسن لأن هذا هو بالفعل الكتاب الذي كنت أنتظره منه لذا يعتبر بالنسبة لي هو الكتاب الأول له والذي يشبه الطريقة التي عرفته بها وبقدر الإمتاع ذاته.
-ما يجدر التلميح له هو أن الكتاب له جزء ثان، ولكن هذا لن يؤثر بالسلب مطلقًا على الاستمتاع بهذا الجزء لأنه حكاياته المشوقة مكتملة تمامًا وأن كنت سترغب في معرفة ماذا سيكتشف يوسف في الجزء الثاني وأين ستتطور حكايته، كنت أتمنى فقط لو منحني الكاتب مساحة في حياة الأبطال يوسف وزوجته وصديقة حتى يمكنني الارتباط بهم أكثر، وأنتظر أن يحدث هذا في الجزء الثاني أو أن يكون لهم يد في تغيير مسار الأحداث، لذا أنتظره بشغف منذ الآن.
-ربما كنت أتوقع أن يكون هذا الكتاب تحديدًا باسم (أخر رف فوق) وفقًا للهشتاج الذي يتم كتابة المقالات به، ولكن حكايات صاحب الصندوق كان جذاب أيضًا والغلاف موفق بدرجة كبيرة.
*اقتباسات:
-"نحن جنس غريب.. ظهرنا على هذه الأرض مع آخر دقات الساعة الثانية عشرة من تاريخها، وبالرغم من ذلك فتاريخنا نفسه مليء بالأحداث التي لم يصل إليها منها سوى الفتات، وحتى تلك الفتات ليست جميعها مفهومة أو معلومة الأركان"
-"الرغبة في جنسنا البشر للحكاية، العادة المحفورة في حمضنا النووي منذ الأزل، من أول رسومات البشر البدائيين على جدران الكهوف، مرورًا بالنقش على الأحجار والأواني، فالحكايات حول نيران التجمعات البشرية طلبًا للدفء والأنس وحتى اختراع الكتابة والتدوين كما نعرفه بشكله الحالي."
-"يكاد الأمر يكون مستحيلًا؛ تحديد الحكاية الحقيقية وسط بحر من آلاف القصص المفبركة، ولكن ذلك لا يمنع من كون الحقيقي منها يدعو للتأمل.. والتفكير.. والخوف"