رقم سبعون / 2024
طعام ، صلاة ، حب امراة تبحث عن كل شيئ
اليزابيث جيلبرت
""كانت لدى إحدى صديقاتي جدّة تقول لها دوماً: "ما من مشاكل في هذا العالم لا يمكن علاجها بحمّام ساخن، كأس شراب وكتاب للدعاء". بالنسبة إلى البعض، هذا كافٍ بالفعل، فيما يحتاج آخرون إلى اتَّخاذ إجراءات أكثر خطورة"".
""قال أفلاطون: "لا يمكن لأي مدينة أن تعيش بسلام، أياً تكن قوانينها، إن كان مواطنوها... لا يفعلون سوى الاستمتاع بالطعام، والشراب، والحب". ولكن هل من الخطأ العيش كذلك لفترة من الوقت؟ مجرّد بضعة أشهر من حياة المرء، يسافر فيها عبر الزمن ولا يرجو منها سوى العثور على الوجبة الشهية التالية؟ أو تعلّم تحدّث لغة لمجرّد أنّها تطرب أذنيه؟ أو أخذ غفوة في حديقة، في بقعة مشمسة في منتصف النهار، بقرب نافورته المفضّلة""
الناس عموما يميلون إلى الاعتقاد بأن السعادة هي ضربة حظ ، تنزل على المرء مثل الطقس الجميل إن كان محظوظا بما يكفي ""السعادة لا تأتي هكذا ، بل هي نتاج مجهود شخصي .. على المرء أن يحارب لأجلها .. يكافح لأجلها ، يصر عليها ، وأحيانا أن يجوب العالم بحثا عنها ، عليك أن تشارك دائما في تجليات نعيمك وحين تبلغ حالة السعادة ، ينبغي عليك أن تعمل للحفاظ عليها وأن تبذل مجهودا عظيما لتستمر بالسباحة إلى الأعلى في تلك السعادة إلى الأبد ،لتبقى طافيا على سطحها . وإلا فستخسر رضاك الفطري . فمن السهل علينا أن ندعو ونحن في الشدة ولكن الاستمرار في الدعاء بعد مرور الأزمة هو أشبه بضمان يساعد الروح على التمسك بإنجازاتها الجيدة""
من النهاية قد تكون البداية فتاة تملك كل شيئ تبلغ من العمر 32 عاماً، متعلمة، متزوجة، لديها مهنة ناجحة ككاتبة، تملك شقة في مانهاتن ومنزلاً في ضواحي نيويورك، بمعنى آخر كان لديها حياة كاملة لا ينقصها شيء، لكن صوت ما في داخلها كان يرفض كل ذلك ويرفض أن تكون حياتها على هذا الشكل فقط، كانت تقضي الليالي الطوال على أرض حمامها باكية للتخذ قرار الطلاق بعد ان كانت تخطط لانجاب طفل شعرت فجئاة انه لا يوجد سلام داخلي في نفسها لقد بحثت ليز عن السلام داخل صفحات الكتاب حيث حققت نجاحا مهنيا، والتي امتازت شخصيتها بأنها اجتماعية ومنفتحة، وتستطيع عمل صداقات، وتحب السفر والتنقل بين البلدان، وعيش لحظات حياتها بكل ما تستطيع من قوة وحماس، تجد نفسها بعد إتمام الثلاثين في محنة نفسية، حيث تكتشف أنها تعيسة في زواجها، وأنها لا تريد الاستمرار في هذا الزواج، والذي امتد لعدة سنوات وكان يتسم بالاستقرار،.لكنها فوجئت أنها تريد أن تهرب من ذلك الزواج، وأنه يجعلها حزينة ومكتئبة، وتظل تبكي في الليل، وبدأت إجراءات الطلاق والتي ساهمت في ازدياد سوء حالتها النفسية، لأن زوجها كان يرفض الطلاق، وأخذ بضع سنوات يعاند في قبوله، ويتهمها بالأنانية، وبأنهما دمرت زواجهم، وآذته نفسيا، وهي حملت إحساس طويل بالذنب امتد طوال سنوات السعي إلى الحصول على الطلاق وبعد الحصول عليه.
كما أنها ارتبطت برجل آخر، وعاشت معه قصة حب قوية وسعيدة، لكنها اكتشفت أيضا أن هذه العلاقة تعذبها، بسبب أن ديفيد الذي ارتبطت به ينسحب ويعيش في عزلة فترات من حياتهم المشتركة، وهذا يصيبها بالاكتئاب والوحدة أيضا. لأنها كما تصف نفسها إنسانة حساسة.تقرر ليز بعد إحساسها أن علاقتها بديفيد تضغط عليها أن تقضي عاما خارج نيويورك خاصة، بعد أن فقدت منزلها وأملاكها بعد موافقة زوجها على الطلاق، بعد سلسلة من التنازلات وقد أعطته كل شيء ليقبل بالتوقيع على الاوراق، لكنه وجدت التعويض سريعا حيث اشترى الناشر الكتاب الذي ستكتبه بعد رحلة العام.
تذهب أولا إلى ايطاليا لأنها أرادت الاستمتاع والترفيه عن نفسها، فقد قضت أربعة شهور من التلذذ بالطعام الايطالي وتعلم اللغة الايطالية فقط لكي تستمتع، والتواصل مع أنواع مختلفة من الناس، وقد حكت عن شخصيات كثيرة، ثم ذهبت إلى الهند وعاشت في معزل تمارس فيه اليوغا والتأمل الروحي، واستطاعت أن تتخلص من كثير من ألمها النفسي، بمساعدة أصدقاء جدد أيضا، وبمواظبتها على التأمل والسيطرة على عقلها، وعلى إحساسها بفرض السطرة على كل تفاصيل حياتها.
ثم تذهب إلى بالي في اندونيسيا وتساعد أحد العجائز الذين يعالجون الناس، وهنا تندمج بالروحانيات والخزعبلات وغيره وتتعرف على أصدقاء جدد وهنا تجد الحب، دون أن تتوقعه، رجل يكبرها ب17 عاما تشعر معه بالراحة ، لأنه يهتم بها ويراعاها.
الرواية تحكي عن عالم النساء، ليس كل النساء وإنما شخصية مميزة لها مواصفاتها التي قد لا تنطبق على جميع النساء، فهي حساسة جدا، وتحب أن تدخل في علاقة حب لا يتم إهمالها فيها، علاقة حب تستغرقها بالكامل، وحين ينحب الحبيب إلى عوالمه الداخلية يصيبها ذلك بالاكتئاب والوحدة لأنها تتماهى بشكل كامل مع من تحب، كما إنها ثرثارة اجتماعية منفتحة، تب السفر كثيرا والتعرف عل العوالم والبشر والاستمتاع بممارسة الأشياء الجديدة، وتخاف من الإنجاب ولا تريده على الأقل في وقت كتابة الرواية.
لكنها تستطيع استعادة قوتها وسلامها النفسي بنفسها وبجهدها وعملها، وحين استجابت إلى الحب مرة أخرى كانت قد شفيت من الجروح السابقة، واستطاعت أن تحقق استقلالية نفسية واجتماعية.
الرواية ملهمة لكثير من النساء حتى وإن كن لا يشبهن بطلة الرواية الكاتبة، لكن سعيها لتحقيق سلام داخلي بمفردها دون الاعتماد على ذكر يقويها أو علاقة حب تدعمها أو علاقة زواج تحقق لها قبولا اجتماعيا تعد نموذجا لكثير من النساء.
تحكي البطلة تفاصيل كثيرة عن نفسها تفاصيل دقيقة ومفعمة بالحياة ولا تخفي أو تخجل من لحظات الضعف بل تنقلها بتفصيل ودقة، كثرة التفكير ومحاولة عقلها التحكم فيها وتشتيتها، وإنقاذها لروحها من سطوة العقل، كما رصدت تفاصيل كثيرة عن الأماكن الثلاث التي ذهبت إليها وطبيعة السكان التي عايشتهم. الرواية ثرية وممتعة، وتخطف ذهن القارئ ولا تتركه إلا عند النهاية التي تعد مرضية ومشبعة