كانت هذه أول قراءاتي للأديب الفاضل أ. أحمد أمين..
تمنيت أن وقعت إحدى مصنفاته في يديَّ من قبل..
أفتتحت مجلده الأول من فيض الخاطر بهذا السطر البليغ: "إذا رأيت الرأي فقد أدخلته في دائرة معلوماتك، وإذا اعتقدته جرى في دمك، وسرى في مخ عظامك، وتغلغل إلى أعماق قلبك".
فعَلِمت أني بصدَد مقالات يانعة ستُثْمر -بإذن الله- في بنات فكري حقولًا وبساتين مكسوةً جلالًا وجمالا.
كلما ذهب بنَاني للأعلى ساحبًا صفحةً جديدة اكتشفت زوايا ذهن هذا الأديب العظيم، كان يكتب بماء قلبه، يصَبُّ شعوره في كل موضوعٍ يخطّه مهما يَكنْ، وهذا والله هو الأدب الحق، وهذه هي جُذْوة الأمل لأمةٍ صحيحة الجوهر والمظهر.
وكما قال -رحمه الله-:" ليس ينقص الشرق لنهوضه رأي، ولكن تنقصه العقيدة؛ فلو منح الشرق عظماء يعتقدون ما يقولون لتغير وجهه وحال حاله وأصبح شيئًا آخر".
كانت كتابته تَنُمُّ عن عقيدةٍ راسخة، وإيمان عظيم بالتغيير؛ لذلك كلما قرأت له دَبَّ فيَّ شعور يُشْعل قناديل قلبي بأملٍ أبيِّ لا تكسره رياح الظلمة.
وله في مقالة الإشعاع:" والأرض يمطرها السحاب، فمنها جنان ناضرة ، ومنها صحراء مجدية قاحلة، والنار تضيء للساري فيهتدي وللفراش فيحترق".
وفي مقالة نعمة الألم:" فيخيل إلي أنّا مدينون للألم بأكثر مما نحن مدينون للذة؛ وأن فضل الألم على العالم أكبر من فضل اللذة".
وفي مقالة أكاذيب المدنية:" لقد ابتكرت المدنية الحديثة فكرة الوطنية فكانت سبب شقائها، ومصدر محنتها، وفقدانها روحانيتها".
والكثير من الاقتباسات البديعة، وأصحّها ختامًا لهذه المراجعة السريعة ما قاله في مقالة القلب:" وقد سئل مصور ماهر : كيف تمزج ألوانك؟ فقال : امزجها بدم قلبي؛ وكذلك الأدب الحق، هو ما كان ذوب القلب".
وإني لأراه -رحمه الله- أذاب لنا لُبَّ قلبه في نصوص!
رحمه الله وبارك في مثل هذه العقول الفذّة.