كان أحمد أمين رحمه الله في هذا الكتاب البديع يبثّ خلجات وجدانه ومعتَرك فِكره فتارةً يورد رأيه صرفًا غير آبه بما سيلقاه من اعتراضات واختلاف مع آرائه، وتارةً يُداري القارئ ويورد ما يرتضيه القارئ، فيوازن بين هذا وذاك..
تجده حينًا يعرض للفكرة المعتادة فيجلّيها أحسن تجلية فتقع في النفوس موقعها.. وحينًا يأتي بفكرة انقدحت في ذهنه ولمّا يبدو أوارها بعد فيبيّنها ويفنّدها..
وهو في هذا كلّه يطرح معانيه بكلمات سلسة قريبة للقلوب وليست بحاجة إلى كدّ ذهن.. وكأنّ همّه منصبٌّ على كدّ الذهن في المعاني.. إلّا أنّه لا يستخدم لغة مهلهلة مبتذلة.. فهو يجمع بين سلاسة الكلمة وفصاحتها.. بين قربها من العاميّ وارتفاع فكرتها إلى سماء الخاصّة..
يسعى أن يحيط بقضايا المجتمع ويطرح حلولًا لمشكلاته.. يكتب من دنيا النّاس إلى النّاس.. ثمّ لا يتأبّى أن يطرح الفكرة النافعة وإن كانت عن أبسط المضامين.. يرتفع بطموحه إلى سحاب الأمل ويتفاءل أنّه مؤذن بمطر يغسل كل درَن... ثمّ يدخل في أظلم البؤر فيعرض لها من أنوار المعنى.. ويغوص في أغوار النّفس فيُخرج لنا نفائسها..
ذاك أحمد أمين.. وهذا إشعاع الجزء الأول من كتابه في نفسي وروحي
تسنيم سمرة