من اللحظة الأولى الذي رأيت فيها اسم الرواية وأنا اتساءل كيف يمكن للكلب أن يرى قوس قزح؟ الكلب لا يرى الألوان، وأن رأي كيف يمكن أن يكون لذلك اختلاف؟ فتشابك هذا السؤال في ذهني مع سؤال أخر؛ كيف يمكن أن يرى المصاب بعمى الألوان العالم بعد رؤيته لقوس قزح بوضوح؟!
من الصفحات الأولى للرواية توقعت أن سيكون لنا قصة مع خميس الذي يرقد في المستشفى ويتنفس بأسطوانة الأكسجين، بعد أن رفضت رئته العمل وحدها، ولكن بعد صفحات قليلة تعرف أن القصة في السيد وحده، خميس كان قصة نعم، ولكنه كان مفتتح لكل ما جاء تاليًا، ربما الأهم أنه استطاع المو.ت في حين أن السيد البطل الرئيسي للرواية كان متعلق بالموت أكثر من الحياه ولكنه لم يدركه، في لحظة ما شعرت أن السيد صفة واسم معًا وليس اسم فقط، ربما كان اسم مبهم في حد ذاته، لقب ينتظر اسم بعده يليق بصاحبه.
السيد كان الطفل الذي بقيّ بعد أن توفى شقيقاه، فترجته أمه من الله ليبقى هو ويرحل كل شيء أخر، فاستجاب لها الله وبقيّ هو ورحل كل شيء، رحل الأخوة وفي فترة ما ترحل الأم والأب والجذور التي تربطهم بكل شيء في تلك البلدة، بمرور الصفحات نبدأ في التعرف على حياته وأسرته وسر تعلقه بالحلقة المعدنية المعلقة في النافذة بجانب السرير، في كل مرحلة يمنحني الكاتب مفاجأة يجعلني مترقبة ماذا سيحدث تاليًا هل سيحصل على المال أم لا، هل ستسافر والدته العمرة؟ هل سيعرف سر كمال؟ هل وهل... الرواية تطرح الكثير من التساؤلات التي تعلم من النظرة الأولى إنها اسئلة فلسفية قد لا تجد لها إجابة أو حتى تطول إجاباتها لصفحات لا تسعها الأحداث.
المو.ت كان نقطة فاصلة في كل احداث الرواية من البداية حتى النهاية.
فلن أكون خاطئة إذا قلت أن المو.ت كان الفلسفة الأولى والأهم التي تناولتها الرواية، ويأتي بعدها رؤية الكلب للألوان ورؤية البطل للأمور بنظرة مختلفة تمامًا عما كان يراه سابقًا، تتماس تلك الفلسفة مع الفسلفة السابقة عن المو.ت، أن وحدها تلك المواقف المهمة مثل الفقد والخسارة هي التي تعيد تقويم الإنسان وتنضجه وتُغير نظرته عن نفسه والعالم والأخرين.
للنهاية كنت أريد أن أعرف سر نور وكمال، ولكن فضل الكاتب أن يترك اسئلة تجعل عقلك يعمل حتى النهاية، النهايات المغلقة والمحددة لم تكن السبيل أبدًا في هذا العمل.
توالي المفاجأت في الربع الأخير من الرواية كان صادم، فجعلني في بعض الأحيان أشعر بالأختناق والظلم، ربما ظلم السيد نفسه بصمته في الكثير من المواقف التي كانت تستدعي الحديث، ولكن ظلم أولاده كان يفوق كل شيء.
لغة الرواية بالكامل بالفصحى سردًا وحوارًا
أعتمد الكاتب على السرد في المقام الأول لطرح الأحداث والحقائق، وعلى الحوار لتوضيح بعض التفاصيل الأخرى ما بين الأبطال، فكان الحوار في الرواية بشكل دائم السيد أحد أطرافه.
الكتابة في الرواية كانت تصويرية، رأيت المحكمة وقوس قزح الذي يمر من النافذة، جلسة الأب أمام البيت الذي يُهدم وتُهدم معه ذكرياته وحياته وريح زوجته واولاده جميعهم بما فيهم السيد في زمنه الماضي.
بالنسبة للغلاف فلم أشعر أنه يصف الرواية بما تستحق، فلسفة الرواية كانت تستحق غلاف أقوى من ذلك، مقارنة بالاسم الذي كان هو البداية، فلسفة الرواية بالكامل كانت تبدأ من اسمها، لن يفهمه إلا من يقرأ أحداثها، فكان هو الأنسب على الأطلاق والأكثر جذبًا بكل تأكيد مقارنة بأي اسم أخر يمكن طرحه ليتوافق معها.
📝 اقتباسات:
✏️❞ وجهه هادئ أكثر مما يجب. لكن مصافحة الموت لم تكن خارج حساباته أبدًا، الصياد لا يأمن البحر، يدخل فيه ولا يعرف هل سيعود أم لا. فكان الموت حاضرًا معه دائمًا، فقط كان يدعو ألَّا يموت حتى يرجع لعائلته برزق اليوم. ❝
✏️❞ عاد جسد الاثنين من الدفن والعزاء، لكن روحيهما دخَلتا القبر مع صفيّة، البيت مليء بالناس وصواني الطعام تأتي وتذهب هما صامتان، لا كلام ولا طعام يتيمان يبكيان أمهما، وصغيران يواجهان الحياة بمفردهما لأول مرة كانا خائفين، وحزينين، ولا يعرفان ماذا سيفعلان في الصباح التالي. ❝
✏️❞ كيف يصبح الحبر أداة للقتل عبر النطق بالكلمة. ❝
✏️❞ الموتى لا يبالون بالوقت، ولهم مفهومهم عن الزمن ❝
✏️❞ المحظوظون فقط من وصَل هبوطهم إلى خطٍّ مستقيم عند أي مسافة، لكنه استقر فاستقروا هم كذلك، علموا أن الذروة كانت حدثًا نادرًا لن يتكرر، وأن الهبوط مُستبعد، وعليهم أن يعيشوا على هذا الخط المستقر. ❝
✏️❞ جلس لم ينطق، بكى بكاءً صامتًا كقابيل حين انتهت لحظة الغواية واكتشف أنه قتَلَ أخاه. لم يأتِ الغراب هذه المرَّة، ❝
✏️❞ طالما لم يعرف الناس فأبوه حيٌّ، لن يكرر الخطأ الذي فعله مع أمه. لو لم يأتِ المعزُّون لما استمرت في الموت. وفاة عزت هي الأخرى وهْمٌ، الناس وحدهم سيجعلونها حقيقة. ❝
✏️❞ فكر السيد أين سيرجع، لا يزور الناس المقابر إلا حين يداهمهم الموت، وأيام الجمع، ماذا لو مت يوم السبت؟ أسبوع كامل في العراء، إهانة في الحياة والموت. ❝